احتشد أكثر من مليون تركي في مدينة اسطنبول يوم الأحد استجابة لدعوة أطلقها الرئيس رجب طيب إردوغان للتنديد بمحاولة الانقلاب الفاشلة واستعراض القوة في مواجهة انتقادات غربية لعمليات تطهير واعتقالات واسعة النطاق أعقبت المحاولة.
ويتوج "تجمع الديمقراطية والشهداء" في منطقة يني قابي على الطرف الجنوبي من المنطقة التاريخية في اسطنبول ثلاثة أسابيع من المظاهرات الليلية التي نظمها أنصار إردوغان في ميادين بأنحاء مختلفة من البلاد وقد لفوا أنفسهم بأعلام تركيا.
والغالبية العظمى من المحتشدين من أنصار إردوغان وحمل بعضهم لافتات كتب عليها "أنت نعمة من الله يا إردوغان" و"مرنا أن نموت وسنفعل". لكن هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها أحزاب معارضة في تجمع لمؤيدي الحزب الحاكم منذ عشرات السنين في الدولة التي يقترب عدد سكانها من 80 مليون نسمة.
ونظم مؤيدو إردوغان في أقاليم تركيا مظاهرات في نفس الوقت أذيع خلالها على شاشات عملاقة بث مباشر لتجمع اسطنبول الذي حضره أكبر رجال الدين الإسلامي وكبير حاخامي تركيا.
ولم يمثل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وهو ثالث أكبر أحزاب البرلمان في التجمع بسبب عدم دعوته للمشاركة بزعم أنه يقيم صلات مع المقاتلين الأكراد في جنوب شرق البلاد. وأثار ذلك غضب مؤيدين للحزب في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال حاجي محمد خليل أوغلو (46 عاما) وهو موظف حكومي سافر من بلدة أوردو على البحر الأسود للمشاركة في الحشد "نحن هنا لنظهر أن هذه الأعلام لن تنكس وأذان الصلاة لن يتوقف وبلدنا لن يقسم."
وأضاف "هذا أمر تجاوز السياسة بمراحل. إما الحرية أو الموت."
وتعهد إردوغان بتخليص تركيا من شبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي يتهم إردوغان أنصاره في صفوف قوات الأمن والقضاء والجهاز الإداري بتدبير محاولة الاستيلاء على السلطة الشهر الماضي والتخطيط لإسقاط الدولة.
وندد كولن -الذي كان حليفا لإردوغان في السنوات الأولى بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحاكم السلطة في 2002- بالانقلاب ونفى الاتهامات.
وتعرض عشرات الآلاف للإيقاف عن العمل أو الاعتقال أو الاحتجاز لحين التحقيق في أعقاب محاولة الانقلاب ومن بينهم جنود وأفراد في الشرطة والقضاء وصحفيون وعاملون في المجال الطبي وموظفون مما أثار المخاوف بين حلفاء تركيا الغربيين من أن إردوغان يستغل الأحداث لإحكام قبضته على السلطة.
وكتبت على لافتات وزعت على المنازل ليل السبت للإعلان عن رحلات مجانية بالحافلات والعبارات وقطارات الأنفاق وصولا إلى مكان التجمع عبارات مثل "النصر للديمقراطية والميادين للشعب." وزين هذا الشعار لافتات علقت على جسور ومبان في أنحاء مختلفة من البلاد.
ودعا إردوغان زعماء المعارضة العلمانية والقومية الذين دعموا الحكومة ونددوا بالانقلاب إلى إلقاء كلمة أمام الحشود في مشهد يأمل أن يصور أمة موحدة تتحدى الانتقادات الغربية.
وكتب كمال كيليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري وهو حزب علماني معارض تغريدة على موقع تويتر قبل التجمع قال فيها "الطريقة الوحيدة للقضاء على الانقلاب هي إحياء القيم التي تأسست عليها الجمهورية. يجب إعلان هذه القيم التي تشكل وحدتنا بصوت عال في يني قابي."
وصدمت محاولة الانقلاب التي وقعت يوم 15 يوليو تموز وقتل فيها أكثر من 230 شخصا المجتمع التركي الذي كانت آخر مرة يرى فيها انقلابا عسكريا للاستيلاء على السلطة بالقوة عام 1980.
حتى خصوم إردوغان فضلوا استمراره في السلطة على نجاح الانقلاب الذي كان متوقعا أن يعيد تدخلات الجيش التي شهدتها تركيا في النصف الثاني من القرن الماضي.
وعلى مدى السنوات الماضية استغل إردوغان خصومه من العلمانيين والقوميين -الذين يبغضون أيضا حركة الخدمة التي أسسها كولن- لتقويض سلطة جنرالات الجيش العلمانيين الذين تساورهم الشكوك حول حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية. ولا تزال الانتقادات الصادرة من هؤلاء محدودة فيما يتعلق بحملة التطهير التي يتعرض لها أنصار كولن لكنهم أثاروا تساؤلات حول حجم ونطاق الاعتقالات.
وقال إلهان جرجيت (44 عاما) وهو موسيقي ومؤيد لحزب الشعب الجمهوري حاملا علما عليه صورة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة العلمانية الحديثة "كان إردوغان وحشيا وظلمنا في الماضي لكني أؤمن بأنه فهم الآن الأهمية الحقيقية للقيم الجمهورية."
وأثناء حديثه مر موكب للقوميين يقودون دراجات نارية.
لكن مثل هذا التضامن قد لا يدوم.
هناك بالفعل مخاوف عند المعارضين من أن إعادة هيكلة الجيش تحدث دون رقابة برلمانية وبشكل فيه تماد بعد أن تم تسريح آلاف من أفراد الجيش بينهم 40 في المئة من الجنرالات.
*انتقادات غربية
قال إردوغان هذا الأسبوع إنه أساء في بادئ الأمر فهم نوايا كولن الذي كانت شبكته مقربة من حزب التنمية والعدالة وأضاف "أسأل الله وشعبي أن يسامحني."
وقال جوركان جندلي (21 عاما) وهو طالب من أضنه في جنوب تركيا الذي أمضى ليلته خارج القصر الرئاسي في أنقرة مع مجموعة من الأصدقاء قبل أن يستقلوا حافلة إلى اسطنبول "إن إردوغان زعيم كبير يمكنه الاعتراف بأخطائه. لم يعتذر زعيم من قبل أمام شعبه."
وكان يرتدي قميصا كتب عليه "في انتظار أوامرك أيها القائد."
وأثار حجم حملة التطهير في تركيا -ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي والطامحة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي- انتقادات في الغرب.
وقال رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي في ألمانيا في تعليقات نشرت يوم الأحد إنه يرى تشابها بين تصرفات إردوغان والفترة التي أعقبت حريق مبنى الرايخستاج في ألمانيا عام 1933 والذي صوره النازيون على أنه مؤامرة شيوعية على الحكومة واستغله أدولف هتلر لتبرير حملته لتقويض الحريات المدنية على نطاق واسع.
وقال كريستيان ليندر لصحيفة بيلد ام سونتاج "نحن نشهد انقلابا من الأعلى مثلما حدث عام 1933 بعد حريق الرايخستاج. أنه يؤسس نظاما قمعيا مفصلا فقط ليناسبه."
وأضاف "لأن حقوق وحريات الأفراد لم يعد لها أي دور فليس بإمكانه أن يكون شريكا لأوروبا."
وتتشابه تصريحاته مع تصريحات هاينز كريستيان شتراخه زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا والذي قال يوم السبت إن استغلال إردوغان لمحاولة الانقلاب لقمع معارضيه تذكر باستغلال هتلر لحريق الرايخستاج لتعزيز سلطته.
ويرفض المسؤولون الأتراك بغضب التلميحات بأن حملة التطهير غير مبررة ويتهمون منتقديهم في الغرب بعدم إدراك حجم التهديد الذي تعرضت له الدولة التركية والاهتمام بحقوق مدبري الانقلاب بشكل أكبر من اهتمامهم بوحشية الأحداث نفسها.
وتضررت العلاقات بين ألمانيا وتركيا بشدة حتى أن وزير الخارجية الألماني قال مؤخرا إن المحادثات بين البلدين لا ترتكز إلى أساس و"أننا نتحدث مع بعضنا البعض مثل المبعوثين القادمين من كوكبين مختلفين."
وقال المستشار النمساوي إنه يجب تعليق المحادثات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.