احذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عدّة من تداعيات الوضع الكارثي في شمال غرب سورية، خصوصًا على الأطفال، في منطقة تؤوي أساسًا ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، وسط موجة نزوح ضخمة تنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة بعد فرار قرابة 900 ألف شخص في ظل ظروف إنسانية صعبة وبرد قارس.
وقالت مسؤولة المفوضية الأممية لحقوق الإنسان ميشال باشليت، إن سورية تشهد حاليا أكبر حركة نزوح منذ بداية الحرب، محمّلة النظام والأطراف الداعمة له، مسؤولية ذلك. وأضافت أن الوضع الإنساني في شمال غربي سورية "يدعو للدهشة."
وأوضحت باشليت في بيان صادر عنها، أنه وبحسب معطيات الأمم المتحدة، فقد نزح 900 ألف مدني سوري منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2019 وحتى الآن، 80 في المئة منهم من الأطفال والنساء، مبينة أنه أكبر حركة نزوح منذ عام 2011، بداية الحرب الداخلية في البلاد .
وتطرقت إلى تصعيد النظام السوري والأطراف الداعمة له، هجماته في محافظتي حلب وإدلب شمال غربي البلاد، لافتة إلى أن الهجمات البرية والجوية للنظام في الفترة بين 1 و16 شباط/ فبراير الجاري، أودى بحياة 100 مدنيا على الأقل، 18 منهم من النساء، و35 من الأطفال.
ووصفت باشليت استهداف النساء والأطفال "ممن يكافحون في أجواء البرد والصقيع"، بـ"الخطوة الظالمة"، مبينة أن الوضع الإنساني في المنطقة "يدعوا للدهشة."
وأعربت باشليت عن خشيتها من مقتل المزيد من المدنيين السوريين في حال واصل النظام هجماته؛ وقالت إنه "لم يعد هناك وجود لملاذ آمن. ومع تواصل هجوم (القوات) الحكومية والزجّ بالناس باتّجاه جيوب أصغر وأصغر، أخشى من أن مزيدًا من الناس سيقتلوا".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2019، بدأت قوات النظام بدعم روسي هجومًا واسعًا في مناطق في إدلب وجوارها تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وفصائل أخرى معارضة أقل نفوذًا. وتركزت العمليات بداية على ريف إدلب الجنوبي ثم على ريف حلب الغربي المجاور.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ديفيد سوانسون، "فرّ حوالى 43 ألف شخص خلال الأيام الأربعة الأخيرة فقط من غرب حلب".
ويعاني آلاف المدنيين صعوبات في العثور على أماكن تأويهم جراء امتلاء المخيمات في إدلب، وعدم وجود بنى تحتية، إضافة إلى النقص في المساعدات، وينتظرون تقديم العون لهم.
تزداد معاناة النازحين مع انخفاض حاد في درجات الحرارة. ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساسًا بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب، لم يجد كثر خيم تؤويهم أو حتى منازل للإيجار، واضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وحتى جوامع.
وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، "إنهم مصدومون ومجبرون على النوم في العراء وسط الصقيع لأن مخيمات (اللاجئين) تضيق بهم. الأمهات يشعلن البلاستيك لتدفئة أولادهن ويموت رضع وأطفال من شدة البرد".
وأشار إلى أن العنف في شمال غرب سورية لا يفرق "بين منشآت صحية أو سكنية أو مدارس وجوامع وأسوق"، فجميعها طالتها نيران القصف والمعارك.
وتُعد موجة النزوح هذه الأكبر منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس العام 2011 التي أدى قمعها إلى نشوب نزاع مسلح في جميع أنحاء البلاد، كما إنها موجة النزوح الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
واعتبر لوكوك أنه "لا يمكن تفادي أكبر حكاية رعب إنسانية في القرن الواحد والعشرين سوى في حال تغلب أعضاء مجلس الأمن الدولي، وأصحاب النفوذ، على مصالحهم الشخصية" ووضعوا الوضع الإنساني أولوية لهم. وأضاف أن الحل الوحيد هو اتفاق لوقف إطلاق النار.
وتوفي سبعة أطفال، بينهم طفل رضيع لم يتجاوز عمره السبعة أشهر، جراء درجات الحرارة المتدنية والأوضاع الإنسانية "المروعة" في المخيمات، وفق ما أفادت منظمة "سايف ذي شيلدرن" في وقت سابق، اليوم.
وقالت المتحدثة باسم المنظمة، سونيا كوش: "نخشى أن ترتفع حصيلة القتلى نتيجة الأوضاع غير الإنسانية تمامًا التي يجد النساء والأطفال أنفسهم فيها، وسط درجات حرارة تحت الصفر، ومن دون سقف فوق رؤوسهم أو ثياب" شتوية تدفئهم.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن التصعيد أسفر عن "تشرّد ما يزيد عن 500 ألف طفل". ونقلت المنظمة في بيان عن نازحة عرفت عنها باسم نادية "سرنا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام، ونعيش الآن في خيام بعدما غرقت كل مقتنياتنا بمياه الأمطار والوحل"، مضيفة "لديّ طفل مريض جدّا (..) إن مات طفلي، فكل ما يمكنني أن أفعله من أجله هو دفنه ".
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنريتا فور: "لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير الوضع السائد (...) إن الأطفال والعائلات محاصرون بين العنف والبرد القارس ونقص الغذاء والظروف المعيشية البائسة، في آن معًا".
وأسفر الهجوم منذ كانون الأول/ ديسمبر، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل أكثر من 380 مدنيًا.
وخلال أسابيع، سيطرت قوات النظام على مناطق واسعة جنوب إدلب وغرب حلب، وتمكنت من تحقيق هدف طال انتظاره بسيطرتها على كامل الطريق الدولي "إم 5" الذي يصل مدينة حلب بدمشق، ويعبر مدنًا رئيسية عدة من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وتزامن هجوم قوات النظام خلال الأسبوعين الماضيين مع تصعيد بين أنقرة والنظام السوري، تخللته مواجهات أوقعت قتلى بين الطرفين. ووجهت أنقرة إنذارات عدة للنظام في دمشق، وهددت بضرب قواته "في كل مكان" في حال كررت اعتداءاتها على القوات التركية المنتشرة في إدلب.