مخطوطات الأقصى.. ترميم التاريخ لمواجهة التهويد
في المدرسة الأشرفية المملوكية الواقعة في الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك، أنشئ مركز ترميم المخطوطات الذي يهدف إلى العناية بكافة المقتنيات الورقية التاريخية في المسجد. وتشمل المخطوطات وثائق وسجلات وخرائط ولوحات أثرية، يتم فهرستها وترميمها وحفظها بصورة علمية.
وصنفت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس ضمن مكتبة المسجد الأقصى أكثر من أربعة آلاف مخطوطة إسلامية يعود عمر بعضها إلى ألف عام، بينما جمعت هذه المخطوطات من الفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وتوزعت موضوعاتها تحت 23 صنفا، بين العلوم الشرعية والطب والهندسة والفلك والرياضيات وغيرها.
ويعمل في المركز عشرة مرممين درس بعضهم علم الترميم على مدار ثلاث سنوات في إيطاليا.
وتقول المتخصصة في ترميم المخطوطات سمر نمر إن أهمية الترميم تكمن في الحفاظ على الموروث الثقافي الإنساني، وهي عملية معقدة وطويلة.
وعن أبرز الصعوبات التي تواجه فريق العمل أثناء الترميم، أوضحت سمر "أن المخطوطات تصل إلى المركز بحالة سيئة جدا بسبب العوامل الطبيعية والحيوية والكيميائية التي تعرضت لها".
وأشارت إلى أن "المواد التي يتم استخدامها لمعالجة المخطوطات باهظة الثمن ولا تتوافر في الشرق الأوسط، مما يحتم استيرادها من أوروبا لكون هذا العلم جديدا على منطقتنا".
واستُخدمت الأحبار العربية الإسلامية في مجموعة مخطوطات المسجد الأقصى والتي صنعت من مواد طبيعية لتكون أكثر ديمومة مع الورق، مما يصعِّب مهمة المرممين، إذ يتحلل الحبر بالسوائل والمياه والرطوبة فتعتبر معالجته من أكثر المراحل حساسية خشية ضياع النصوص.
ويمر المخطوط حسب صعوبة حالته بـ15 مرحلة معالجة على الأقل، وقد تستغرق مجتمعة من أسبوع إلى عام كامل أحيانا.
ويبدأ مشوار الترميم بعملية التعقيم بغاز النيتروجين، ثم يمر بمرحلة التنظيف الميكانيكي من الغبار والعوالق، وحتى مرحلة الفهرسة والتصنيف حسب المعايير المتبعة دوليا، ثم مرحلة التصوير الرقمي والترميم الإلكتروني.
ويمر المخطوط بمرحلة التجزئة وإجراء الفحوص المخبرية للحبر والألياف، ثم تغسل الأوراق بمحاليل كيميائية وتجفف، ثم تدعّم بألياف وتجمع من جديد وتدخل مرحلة الخياطة والتجليد وتوضع في صناديق خالية من الأحماض لحفظها مستقبلا من العوامل المختلفة.
ويقول رئيس قسم المخطوطات والتراث في المسجد الأقصى المبارك رضوان عمرو إن المخطوطات تمثل ذاكرة القدس والمسجد الأقصى المبارك التي يعمل الاحتلال بشكل مكثف على طمسها من عقول الفلسطينيين ويغسلها بأفكاره التهويدية الجديدة.
وأضاف عمرو في حديثه للجزيرة نت "سرق الاحتلال الكثير من المخطوطات أثناء الحروب ويقدر عددها بثلاثين ألف مخطوطة، لذا نتعامل مع ترميمها كمهمة وطنية في ظل محاولات تهويد المسجد والمدينة".
وتابع أن "الوثيقة الواحدة قد تساوي جبالا وأنسابا وأوقافا، والتخلي عن المخطوطات بمثابة التخلي عن جزء من أرضنا وتاريخنا".
مكتبة رقمية
وأشار عمرو إلى أن المركز يعمل على تحويل جميع المخطوطات في مكتبة المسجد الأقصى إلى مكتبة رقمية بهدف حماية المخطوطات وإبقاء نسخة آمنة منها، ولحمل هذه المكتبة إلى منزل كل طالب وباحث حول العالم في ظل عزل الاحتلال للمكتبة ومنع الباحثين من الوصول إلى المخطوطات.
يذكر أن المركز يتْبع دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، ويتلقى دعما وإسنادا مباشرا من ملك الأردن عبد الله الثاني، بينما تدعم حكومة النرويج وشعبها المركز ماديا، وتوفر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) المشاريع التدريبية لطاقم الترميم، كما تسهّل إدخال المواد الخاصة بمراحل معالجة المخطوطات.
ويَعتَبر الاحتلال مركز ترميم المخطوطات عقبة في طريق مشروعه التهويدي في الأقصى والقدس، وتتصرف سلطاته بندية مع المركز منذ افتتاحه، وتقوم بملاحقة واستدعاء مديره وموظفيه بشكل مستمر.