مفاجآت السباق الرئاسي الأميركي الراهن، يومية ويصعب أحياناً استيعاب أبعادها، نظراً لغرابتها وفرادتها وطرافتها. ومنذ أن فقدت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون توازنها، الأحد الماضي، بسبب إصابتها بالتهاب رئوي وكادت أن تقع على الأرض لولا تدخل مساعديها وحراسها، أصبحت حالتها الصحية - وكذلك حالة المرشح الجمهوري دونالد ترامب - المسألة التي هيمنت على السباق الرئاسي.
وصحة المرشحين، وهما الأكبر سناً في تاريخ الانتخابات الأميركية (إذا انتخبت كلينتون فإنها ستكون في التاسعة والستين من العمر حين تدلي بقسم اليمين في يناير المقبل، بينما سيكون ترامب في عامه السبعين)، تتخطى التقارير الطبية، والأعراض الصحية المعروفة وربما غير المعروفة للمرشحين، لتمس بمسائل سياسية أهم، من بينها الشفافية والصدقية.
مقطع الفيديو الذي أظهر تعثر كلينتون وعجزها عن دخول سيارتها بمفردها، أحرج حملة كلينتون وأرغمها على تعديل روايتها السابقة عن أسباب انسحابها من مراسم ذكرى هجمات سبتمبر الإرهابية، والكشف عن إخضاعها للعلاج بالمضادات الحيوية لشفائها من الالتهاب الرئوي.
مَيل هيلاري كلينتون وزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون للسرية - والبعض يقول هاجس السرية - عمق من الشكوك القديمة بنزاهتها وترددها بقول الحقيقة، وما يقال عن أنها تعاني "من مشكلة انعدام الصدقية".
وجاءت الوعكة الصحية لكلينتون بعد حملة انتخابية طويلة هيمنت عليها مسألة البريد الإلكتروني السري لكلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، ورفضها الكشف عن مضمون خطبها التي ألقتها أمام المؤسسات المالية في وول ستريت لقاء مبالغ مالية ضخمة، وكذلك ترددها في توفير معلومات طبية أوسع وأكثر دقة في الأشهر الماضية. الضغوط التي تعرضت لها كلينتون في الأيام الأخيرة، والتي صاحبتها ضغوط مماثلة على ترامب، أرغمتهما على توفير معلومات طبية إضافية، ولكن ليس من المتوقع أن تتوقف الشكوك أو الأسئلة، أو المطالبة بمعلومات مفصلة أكثر من قبل الإعلاميين والرأي العام، خاصة أن ما قدمه ترامب كان ضئيلاً للغاية، وهذا يعني أن صحة المرشحين سوف تلقي بظلالها على الحملتين حتى يوم الانتخابات في الثامن من نوفمبر المقبل.
المفاجآت لم تكن محصورة بالحالة الصحية لكل من كلينتون وترامب، بل عاد الشبح الروسي للتدخل في الانتخابات، ولكن هذه المرة من خلال اختراق البريد الإلكتروني لوزير الخارجية الأسبق كولن باول.
المسؤولون الأميركيون يقولون، خاصة في الإيجازات الخلفية، إن الاستخبارات الروسية هي المسؤولة عن اختراق الحسابات الإلكترونية لقيادة الحزب الديمقراطي، بغرض التدخل في العملية الانتخابية الأميركية وبحسابات شخصيات أميركية أخرى. رسائل باول الخاصة تتضمن ملاحظات دقيقة وأحياناً ظريفة للغاية وحتى مؤلمة لكلينتون، وقاسية للغاية ضد ترامب. ويحظى باول باحترام كبير في أوساط الجمهوريين والمستقلين بسبب تاريخه العسكري والسياسي، وهو يعتبر هيلاري كلينتون من بين أصدقائه، ولذلك من الصعب تجاهل أحكامه وتقويماته لكلينتون (والرئيس الأسبق بيل كلينتون) ولترامب.
وجاء في إحدى رسائل باول أن "ترامب يمثل عاراً وطنياً، وهو منبوذ دولياً"، وفي رسالة أخرى، يصف باول تشكيك ترامب بولادة باراك أوباما في الولايات المتحدة بأنها "عنصرية"، ويتهمه بأنه كان يحاول البحث عما إذا كان أوباما مسلماً، ويضيف "وماذا إذا كان مسلماً؟ المسلمون يولدون كأميركيين كل يوم". ولكن نصال باول طالت "صديقته" هيلاري كلينتون التي نعتها "بالجشع" وبأنها ليست مرشحة تتمتع بالمزايا التي تؤهلها لتغيير البلاد، قائلاً إن أي شيء تمسه يؤدي إلى تخريبه بسبب "غطرستها".
الرئيس الأسبق بيل كلينتون لم يفلت من سهام باول الذي اتهمه بأنه لا يزال يلاحق "النساء الغبيات". وكان باول قد قال إن هناك رسائل إلكترونية عديدة في حوزة الجهة التي اخترقت حسابه الإلكتروني. وهناك قلق في أوساط حملة كلينتون من أنه مع اقتراب موعد الانتخابات هناك إمكانية بالكشف عن رسائل إلكترونية قد يكون من بينها رسائل لكلينتون، ويمكن أن تؤدي إلى إحراجها وحتى تقويض حملتها.
وتأمل كلينتون من أن يؤدي الكشف عن معلومات طبية إضافية إلى احتواء الجدل الحاد حول صحتها، كما ستسعى في الأسبوع المقبل مع بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تحويل الأنظار والاهتمام الإعلامي إلى رحلتها إلى نيويورك ولقاءاتها مع عدد من الرؤساء الذين سيشاركون في دورة الأمم المتحدة لكي تظهر للناخبين الأميركيين مؤهلاتها وخبرتها الدبلوماسية مقارنة مع انعدام هذه الخبرة لدى منافسها ترامب.
ويسعى المرشحون الأميركيون عادة إلى إظهار معرفتهم أو خبرتهم بالقضايا الخارجية والأمنية والاستراتيجية من خلال جولات دولية، وهذا ما فعله مرشحون مثل باراك أوباما ومت رومني وجورج بوش الابن وغيرهم.
وسوف تلتقي كلينتون بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويمكن أن تستخدم اللقاء لتؤكد رفضها لطروحات ترامب المعادية للمسلمين. كما ستلتقي بالرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، فيما يعتبر بمثابة توجيه رسالة واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي غزا أوكرانيا قبل سنتين واحتل شبه جزيرة القرم، ويواصل تأجيج التوتر والعنف في شرق أوكرانيا. ويمكن استخدام هذا اللقاء لتذكير الناخبين بالغزل السياسي المتبادل بين ترامب وبوتين، الذي لن يشارك في أعمال الجمعية العامة هذه السنة.
قبل أقل من شهرين من توجه الأميركيين لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لمرشحين غير شعبيين، لا يزال المشهد الانتخابي معقداً ومحيراً للغاية، لأن استطلاعات الرأي تتغير وتتقلب بين أسبوع وآخر. ولكن استناداً إلى تطورات الأيام والأسابيع الماضية، يمكننا القول إن المفاجآت سوف تستمر، ما يعني أن كل الاحتمالات سوف تبقى مفتوحة.