لا تزال عملية التصويت التي جرت في مجلس الأمن، الجمعة الماضي، ضد الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، تشغل وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبالنتيجة تتكشف معطيات جديدة تلقي الضوء عما جرى وراء الكواليس قبيل عملية التصويت.
ويتضح أن مندوب روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، طلب مساء الجمعة، تأجيل التصويت، وذلك في أعقاب مكالمة هاتفية بين رئيس الحكومة الإسرائيلية وبين الرئيس الروسي. بيد أن طلب المندوب الروسي لم يلق قبولا.
كما يتضح أن إسرائيل بادرت إلى تهديد نيوزيلندا بإغلاق سفارتها هناك في حال واصلت الأخيرة الدفع بمشروع القرار في مجلس الأمن.
وكتب المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وقبل ساعات من التصويت على قرار إدانة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية، الجمعة الماضي، هاتف وزير خارجية نيوزلندا، موراي مكولي، باعتبار أن بلاده مع السنغال وماليزيا وفنزويلا بادرت إلى طرح مشروع القرار على مجلس الأمن بعد تراجع مصر عنه الخميس.
وقبل التصويت ببضع ساعات، اتصل مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية بسفير نيوزيلندا في إسرائيل، جوناثان كار، وحذره من عرض مشروع القرار، وهدده بإغلاق السفارة الإسرائيلية في ويلينغتون. وقام السفير بإبلاغ حكومته، بيد أن ذلك لم يجد نفعا.
وكتب المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، براك رفيد، أن اتصال نتنياهو كان في الواقع المحاولة شبه الأخيرة من جانبه لمنع إجراء التصويت في مجلس الأمن أو تأجيله على الأقل.
وأشار إلى أن دبلوماسيين غربيين مطلعين وصفوا المحادثة بأنها كانت متوترة، أطلق خلالها نتنياهو التهديدات الحادة، والتي لم يسبق لها مثيل بين إسرائيل وبين دولة غربية أخرى تجري علاقات دبلوماسية معها.
وقال الدبلوماسيون إن نتنياهو اعتبر الدفع بالقرار على أنه إعلان حرب، وأن ذلك سيؤدي إلى شرخ في العلاقات وسيكون لذلك أبعاد، وأنه سيستدعي السفير الإسرائيلي في نيوزيلندا. وفي المقابل، فإن مكولي رفض التراجع عن التصويت باعتبار أن مشروع القرار يتلاءم مع سياسة بلاده.
وأشار الدبلوماسيون إلى أن مكولي كان قد تحدث مع نتنياهو عن مشروع قرار تنوي بلاده الدفع به، وصف بأنه "معتدل أكثر من القرار الذي تم التصويت عليه الجمعة"، حيث أن المقترح النيوزيلندي تحدث عن تجميد البناء في المستوطنات، وفي الوقت نفسه تجميد الخطوات الفلسطينية في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ودعت إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل دون شروط مسبقة.
ورفض نتنياهو ذلك بشكل مطلق، وردد في حينه ما يردده كثيرا في الأسابيع الأخيرة، وهو أن العالم لم يعد معنيا بالشأن الفلسطيني، وأن الغالبية التلقائية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة تكاد تصبح شيئا من الماضي. ونقل عن دبلوماسي غربي قوله إن ما حصل يوم الجمعة أثبت غير ذلك، وأثبت أن تقديرات نتنياهو خاطئة.
وكتب رفيد، نقلا عن دبلوماسييين غربيين وإسرائيليين، أنه منذ تراجع مصر عن الدفع بالقرار، بدأ مساء يوم الخميس الضغط من قبل دول أخرى على نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، وكان الفلسطينيون أول من ضغط، وتبعهم عدد من دول الخليج وبريطانيا. وبحسب دبلوماسيين غربيين فإن البريطانيين توجهوا لنيوزينلدا وشجعوها على مواصلة الدفع بمشروع القرار حتى بدون دعم مصر.
ويدعي دبلوماسيون إسرائيليون أن معلومات وصلت الخارجية الإسرائيلية تقول إن حقوقيين ودبلوماسيين بريطانيين عملوا مع الفلسطينيين مباشرة، سرا وبدون إطلاع إسرائيل، على نص القرار قبل أن يتم نشره من قبل مصر في المرة الأولى، مساء الأربعاء.
وكتب رفيد أن إسرائيل تشتبه بأن البريطانيين نشطوا في تلك الأيام بدفع من قبل الأميركيين كي تتمكن إدارة باراك أوباما من التأكد من أن نص القرار يلائمها بدون التدخل بشكل مباشر في بلورته.
ونقل عن دبلوماسي إسرائيلي قوله "نحن نعرف كيف نقرأ قرارات مجلس الأمن. وهذا ليس نصا وضع من قبل الفلسطينيين أو المصريين، وإنما من قبل دولة غربية".
يشار في هذا السياق إلى سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون ديرمر، كان قد صرح، يوم أمس الإثنين، في مقابلات صحفية أنه يوجد لدى إسرائيل أدلة تؤكد أن إدارة أوباما تقف وراء القرار في مجلس الأمن.
وبحسب رفيد، فإن الدبلوماسيين البريطانيين يؤكدون أن بريطانيا لعبت دورا مركزيا في صياغة القرار، وعلمت على تحسين النص مع الفلسطينيين، بحيث يكون من الممكن المصادقة عليه في مجلس الأمن دون استخدام حق النقض.
كما أشار إلى أن نتنياهو تحدث أيضا، مساء الجمعة قبل التصويت، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متوسلا، علما أن إسرائيل كانت قد استجابت لطلب روسيا، الخميس، وتغيبت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار بشأن التحقيق في جرائم حرب في سورية.
ويشير أيضا إلى أنه ليس واضحا ماذا حصل في تلك المكالمة، إلا أنه قبل التصويت بأقل من ساعة، طلب مندوب روسيا فيتالي تشوركين، بشكل مفاجئ، إجراء مشاورات مغلقة، بينما كان مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن يعدون خطاباتهم.
وقال دبلوماسي غربي إن تشوركين فاجأ المندوبين الـ14 الباقين في مجلس الأمن عندما اقترح تأجيل التصويت إلى ما بعد عيد الميلاد، مدعيا أنه لم تجر مباحثات كافية حول نص القرار، وعبر عن استغرابه من مسارعة بعض الدول إلى إجراء التصويت. وأكد ذلك سفير روسيا في إسرائيل، أليكسي دروبينين، صباح الثلاثاء في مقابلة مع إذاعة الجيش "غاليه تساهال".
وقال دروبينين إن لروسيا تحفظات من توقيت اتخاذ القرار، وأنه يجب الأخذ بالحسبان أنه بعد عدة أسابيع ستكون هناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة. وادعى أن المشكلة لم تكن في المضمون، وإنما في التوقيت، وفي حقيقة أن القرار يتصل بقضية واحدة من قضايا الصراع الجوهرية.
واتضح أن ملاحظات تشوركين لم تلق آذانا صاغية، ورفضها جميع المندوبين، وطلبوا التقدم في التصويت كما هو مخطط.
وقال دبلوماسي غربي إن المندوب الروسي أدرك أنه لن يتمكن من تجنيد الدعم، فتراجع، ولخص المشاورات بجملة ساخرة قال فيها "لم أر في حياتي عددا كبيرا من الناس يريدون تبني يتيم بهذه السرعة". وانتهت الجلسة المغلقة، ودخل المندوبون إلى قاعة مجلس الأمن، وجرى التصويت على القرار بعد بضعة دقائق.
بإمكان متصفحي موقع جلجولية نت إرسال أخبار وصور لنشرها مجانا في موقع جلجولية نت عبر البريد الالكتروني
او عبر رسالة عن طريق الواتس اب على هاتف رقم 0524084111