تشد بلجيكا أنفاسها خوفاً من تداعيات اعتداءات باريس وفي ذاكرتها الجماعية الدور المباشر الذي اضطلع به بلجيكيون في اعتداءات باريس في العامين الماضيين. وقد تكون تنفست الصعداء بعد أن أثبتت التحقيقات أن المشتبه به البلجيكي يوسف العسري لم يغادر أنتورب ليلة الخميس إلى الجمعة حيث كان يعمل في محطة تكرير النفط.
وقال محامي الدفاع إن القضاء أفرج عن موكله "حيث كان يعمل في محطة التكرير، وأكد أن لا علاقة تربطه باعتداء باريس". وفي المقابل رفض نبيل ريفي الرد على التساؤلات المتعلقة بالأسلحة وأغطية الرأس التي عثرت عليها أجهزة الأمن في سكن يوسف العسري.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة فائقة ليلة الخميس إلى الجمعة، بعد نحو ساعة على اعتداء الشانزيليزيه صورة يوسف العسري ونسخة عن مذكرة أرسلتها أجهزة الأمن البلجيكية بشأنه إلى الشرطة الفرنسية ظهر يوم الخميس وتصفه بالرجل الخطير.
وعقّب محامي الدفاع أن المذكرة "احتوت على معلومات مغلوطة حيث لم تعثر الشرطة في بيته على تذكرة السفر". وكان القضاء البلجيكي طلب الاستماع إلى يوسف العسري في قضية ربطتها مصادر محلية بتهريب المخدرات.
وأكد وزير الداخلية البلجيكي أن منفذ اعتداء باريس "فرنسي الجنسية ولا يحمل إطلاقا هوية بلجيكية". وقال يان يانبون في تصريحات للصحافة المحلية، صباح يوم الجمعة، إن السلطات البلجيكية والفرنسية تتعاون من أجل تحديد هوية أبو يوسف البلجيكي، الذي ورد في بيان تنظيم داعش، حيث أعلن مسؤوليته عن اعتداء الشانزيليزيه ليل الخميس- الجمعة.
وعلى الصعيد الأوروبي، شجب الاتحاد الأوروبي الاعتداء الذي استهدف قوات الأمن الفرنسية قبل يومين عن الدورة الأولى للانتخابات. وأكدت المفوضية الأوروبية في بيان تضامن الاتحاد مع فرنسا، وشددت على "شجب الاعتداء الإجرامي الذي استهدف قوات الأمن الفرنسية بينما كانت تقوم بواجبها". وعبرت المفوضية الأوروبية عن "عزم أوروبا على مواجهة الإرهاب والدفاع الجماعي عن أوروبا الديمقراطية والمنفتحة والتي لن تتنازل عن أمنها".
ويرجح مراقبون أن يستفيد اليمين المحافظ بزعامة مرشح الجمهوريين فرنسوا فيون، وزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان من تداعيات اعتداء الشانزيليزيه على الناخبين، حيث كشف عن ثغرات المشهد الأمني رغم التعبئة الأمنية وتأهب الأجهزة التي أحبطت قبل أيام اعتداء إرهابيا وشيكا، واعتقلت مشتبهين هما كليمون بويير ومحيي الدين مرابط في مرسيليا يوم الثلاثاء الماضي.
ويخشى المسؤولون الأوروبيون من عواقب تقدم مارين لوبان في المشهد الانتخابي بين الدورتين، خاصة إذا فازت في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة. وتعِدُ زعيمة الجبهة الوطنية الناخبين بالخروج من عملة اليورو، وتعطيل المعاهدات الأوروبية بدءاً بمعاهدة شينغن حول حرية التنقل. وفي محاولة لاستباق نتائج الانتخابات نقلت المتحدثة الرسمية الأوروبية عن رئيس المفوضية جان كلود يونكير القول بأن "المشروع الأوروبي سيتواصل ولو فازت مارين لوبان".
وعلى الصعيد الأمني، حذر محللون من أن فوز مارين لوبان بانتخابات الرئاسة قد يؤدي إلى إرباك الوضع الأمني بشكل خطير في البلاد. ونسبت مصادر مطلعة إلى الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية "دي جي آس آي" إطلاق تحذيرات من أن فوز مارين لوبان قد يجعل فرنسا تواجه أعراض "آزنار"، نسبة إلى رئيس الحكومة الإسباني الأسبق خوسيه ماريا آزنار الذي واجه أزمة اعتداءات القاعدة خلال الحملة الانتخابية في 11 آذار 2004، حين فجَّر انتحاريون ثلاث عربات في قطار متحرك عند بلوغ المحطة الرئيسية في مدريد. وأدت الاعتداءات إلى سقوط العشرات وإصابة المئات. وخسر خوسي ماريا آزنار الانتخابات لفائدة الحزب الاشتراكي. وسحب رئيس الوزراء الفائز خوسيه لويس ثاباتيرو فور توليه السلطة القوات الإسبانية من العراق في صيف 2004. ولا يستبعد المحللون أن يقود افتراض "فوز مارين لوبان بانتخابات الرئاسة إلى تمرّد الشباب في الضواحي الشعبية لأنهم سيرفضون توليها السلطة. وقد تستغل المنظمات الإرهابية التوتر السائد لارتكاب اعتداءات إرهابية تقسم المجتمع وتهزُّ مؤسسات الدولة الفرنسية". وتلك قراءة أمنية لوضع افتراضي وليست نتيجة معلومات وبيانات ملموسة.