شنّت وزارة التّربية الإسرائيليّة حربًا على أحد محرّري الكتاب، يهودا يعاري، ممّن اعترضوا على مضامينه، ووجّه رسالة لمسؤولين في الوزارة حول النّقاط الإشكاليّة، شارحًا أنّ الكتاب مسيّس. ومن جهتها، ردّت وزارة التّربية الإسرائيليّة على ادّعاءات يعاري، عبر تصوير صفحات من حسابه الخاصّ على الفيسبوك، لتثبت أنّ يعاري ما هو إلاّ عضو في المنظّمة اليساريّة، الكريهة على أوساط اليمين، شوفريم شتيكاه نكسر الصّمت وحزب ميرتس وهي بذلك تذهب إلى شخصنة الموضوع، بدلاً من الرّد الموضوعيّ على النّقاط المحدّدة التي تناولها برسالته النّاقدة.
ولم تكتف الوزارة بنشر تصوير حساب يعاري الفيسبوكيّ، إذ ادّعى النّاطق بلسان الوزارة، عاموس شفيط، أن محرّر الكتاب هو عضو في منظّمة نكسر الصّمت ، ولذلك فإنّ نشر الرّسالة هو خطوة سياسيّة
وفي حواره مع إذاعة الجيش الإسرائيليّ، قال يعاري بالأمس: بعد أسبوعين من التّفكير، توصّلت للنتيجة أنّني ملزم بالإقدام على ذلك، من أجل نفسي ومن أجل عملي، أنا ملزم بنشر مشاعري القاسية التي لازمتني منذ أن أرسلت الكتاب (للطباعة)، وبالطّبع خلال العمل عليه أيضًا
وأضاف يعاري أنّ الملاحظات النّقديّة الموضوعيّة التي قدّمها حول الكتاب هي جزء من طيف واسع من الأخطاء التّاريخيّة والسّياسيّة، التي احتوت عليها فصول الكتاب.
وجاء في الطّبعة الأولى من الكتاب الإشكاليّ أنّ العرب، مواطني دولة إسرائيل، هم المسؤولون عن غالبيّة عمليّات الطّعن التي تجري منذ قرابة النّصف سنة. إلاّ أنّ هذا الادّعاء سرعان ما اختفى من الكتاب، ويشرح يعاري الأمر: هذا (الادّعاء) ظهر في الصّياغة الأخيرة التي استلمتها، من المحتمل أنه قبل أن يرى الوزير بينيت اليوم، أحدهم فكّر برشد وأخرج الأقوال هذه، وأنا كنت قد لفت انتباههم إلى أنّ هذا هو خطأ في الحقائق، عدا عن كون الأمر حقيرًا
ويضيف محرّر الكتاب: أن تُقدم على خطأ كهذا في كتاب مدنيّات، هذا أمر فظيع
ووضّح محرّر كتاب المدنيّات، يعاري، في حواره لإذاعة الجيش الإسرائيليّ أنّه وبرغم كونه محرّرًا لغويًّا للكتاب، إلاّ أنّه لم يتمالك نفسه، على حدّ تعبيره، وقال رأيه: كتبت ملاحظات غير متعلّقة بعملي، لم أفرضها ولم أُدخلها لمتن النّصّ. ولكن بعد أن استلمت النّصّ، مرارًا وتكرارًا لتحريرات إضافيّة، رأيت أنّ الوضع ظلّ سيّئًا، حتّى في الصّياغات الأخيرة، قبل الطّباعة
وتفاعلاً مع أصداء القضيّة التي أثارها يعاري، نشرت إحدى مؤّلفّات كتاب المدنيّات، د. رفيطال عميران، المختصّة بالعلوم السّياسيّة، مقالاً في صحيفة هآرتس سحبت فيه توقيعها من مشاركتها بتأليف الكتاب، معلّلة الأمر لسلوكيّات وزارة التّربية.
وأشارت د. عميران في مقالتها أنّها ذهلت حينما اكتشفت أنّ أحد الفصول الهامّة الذي ألّفته خصّيصًا للكتاب، الأسس الدّستوريّة ، لم يُدرج في الكتاب. وأضافت أنّ ما كتبته تمّت إعادة صياغته، وحينما أرادت تصليح ذلك، قوبلت بالرّفض.
وقالت د. عميران: ضايقتني جدًا التّصرّفات السّريّة والإقصاء الذي قامت به وزارة التّربية. هذا تكتيك منافٍ للديمقراطية تمامًا
وردّت وزارة التّربية على نشر رسالة يعاري، مصرّحة: الاقتباسات المدرجة هي اقتباسات موجّهة وانتقائيّة، ولا تعكس بالمرّة روح الكتاب ، مضيفة أنّ الاقتباسات تعود لـ مسوّدة غير نهائيّة
وقالت د. عميران أنّه لم يسمح لها الاطّلاع على باقي الفصول التي ألّفها زملاء وزميلات لها.
وردًّا على الأجواء غير الديمقراطيّة التي يتّسم بها العمل على تأليف ونشر الكتاب الإشكاليّ، تقوم مجموعة من المربّين والأكاديميّين بتنظيم حركة احتجاج ضدّ الكتاب ونشره بهذه الصّياغة.
وعلّق بروفسور دان أفنون، من الجامعة العبريّة، وأحد المشاركين بتنظيم الاحتجاج على الكتاب، لصحيفة هآرتس قائلا: منذ سنوات السّبعينيّات، حينما أقرّوا مخطّط تعليم المدنيّات، لم نشهد حركة حادّة ولاذعة إلى هذا الحدّ، ولا أحادية الجانب من النّاحية الأيديولجيّة، كما هو الأمر في نصف السّنة الأخيرة. بإمكاني أن أتفهّم دهشة المحرّر اللغويّ... من ير هذا الأمر من الجانب، لا يفهم كيف وصلنا إلى هذه المواصيل، ولم على أولادنا أن يدرسوا مضامين كهذه؟
وستعقد لجنة الشّفافيّة، الأسبوع المقبل، في البرلمان الإسرائيليّ، نقاشًا حول الكتاب ومضامينه.