على بعد 12 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من قضاء شيخان في محافظة دهوك بإقليم كردستان، يواظب الأيزيديون على ارتياد معبد لالش المقدس لدى الطائفة والوحيد في العالم، لبث أمنياتهم بالعودة إلى ديارهم التي فروا منها هربا من تنظيم "داعش"، ويتناوب عشرات الأتباع على خدمة المعبد يوميا بمن فيهم عدد من الفارين من القتال.
محاطا بالرموز الجدارية وأضرحة أبرز شيوخ الطائفة، يمكن للزائر السير بحذر للولوج إلى المعبد، حيث تقابله عدة بوابات أبرزها تلك التي تحرسها منحوتة الأفعى السوداء ويحرّم المعتقد قتلها، كما تبرز القبب المخروطية التي تعتلي مزار الشيخ آدي، أكبر شيوخ الطائفة، وعلى الزوار أن يخلعوا أحذيتهم للتجوال وتجاوز عتبات البوابات "المقدسة" بحسب المعتقد.
في القاعة الرئيسية الكبرى، تتوسطها سبع أعمدة كبيرة، ترمز إلى الآلهة السبعة الذين يؤمن بها الأيزيديون، وعلى رأسهم "الطاووس ملك" الذي يعتقدون أنه أكبر آلهتهم، حيث يتوجب فك "عقدة" من الأقمشة المعلقة المغسولة بمياههم المقدسة والنفث فيها وعقدها مجددا، لتحقيق الأمنية.
تقول إحدى السيدات، وهي تتمتم بدعاء عودتها إلى سنجار بعد تهجير عامين واستقرار أحوال العراقيين، أنها ترغب بالعودة إلى سنجار لكنها تطلب الأمان أولا، وتضيف أنه لم يكن هناك مشكلة بالتعايش مع "العرب السنة ولا المسيحيين أو غيرهم"، قبل مجيء داعش.
تتفرع القاعة الرئيسية إلى قاعات أخرى ودهاليز معتمة لتجفيف الخبز وأخرى للمياه المقدسة التي يتعمد بها جميع أتباع الطائفة، وتتواجد قاعات أخرى لحفظ زيت الزيتون المخصص لإنارة قناديل المعبد، تجاورها قاعة لممارسة طقوس أخرى من العبادة والتقرب من الآلهة، ترمي النسوة فيها قطعة قماش سوداء على مجسم للآلهة، ويطلقن الأمنيات حين تصيب رأسها مصحوبة بالزغاريد.
وسط غموض تلك الطقوس، يزور المعبد آلاف الأشخاص سنويا بحسب القائمين عليه، وقد شكّل ملاذا لأتباع الطائفة على مدار سنوات، وتحديدا منذ 3 أغسطس/ آب عام 2014، بعدما نزح نحو 360 ألف أيزيدي أغلبيتهم من سنجار إلى كردستان هربا من تنظيم "داعش" المتهم بإبادة وقتل وخطف واغتصاب أتباع الطائفة، وفقا لعيدو باعدري، أحد القائمين على الجانب الثقافي في المعبد وأحد أتباع الأيزيدية.
يقول باعدري، إن نحو 10 بيوت لعائلات أيزيدية لجأت إلى محيط المعبد مع بدء عمليات التهجير، واستقرت لاحقا في مخيمات اللجوء ومن أبرزها مخيم نوروز للأيزيديين، حيث اتجهت الغالبية العظمى للمهجرين منهم إلى إقليم كردستان، إلى جانب مناطق في سوريا وتركيا.
يستخدم باعدري وصف "شهيد" على من قتلوا على يد "داعش" بحسب إحصائية رسمية لدائرة شؤون اليزيديين منذ ذلك الوقت، وبواقع 1293 "شهيدا"، فيما سجل 220 طفلا مهجرا اختطف والديهم على يد داعش.
وعن عدد المختطفين الإجمالي، فقد بلغ لغاية شهر يوليو/ تموز الماضي، 6404 أيزيديا وأيزيدية منذ بداية التهجير، أكثر من نصفهم من النساء، فيما نجا من العدد الإجمالي بحسب باعدري، 2640 أيزيديا منذ ذلك الوقت، شكلت النساء منهم نحو 953 امرأة.
لا يزال 3770 أيزيديا مختطفا لدى داعش، ولا يخفي باعدري أن عددا من أقربائه من المختطفين، مؤكدا أن عددا لا بأس به من الأيزيديات الناجيات تم تسفيرهن إلى المانيا، معتقدا أن عودة الأيزيديين إلى سنجار، تتعذر اليوم رغم دعوات الأحزاب السياسية الكردية لذلك، بوصفها "منطقة منكوبة"، مرجحا أن تستغرق عودتهم إلى هناك ما بين 5 – 7 سنوات.
يؤمن باعدري كغيره من أتباع الطائفة، أن "إبادة الأيزيديين" موجهة، وإن كان "داعش" قد استهدف المسلم والمسيحي وفجر جوامعهم وكنائسهم، إلا أن الأيزيديين كانوا الهدف الرئيسي لأسباب تتعلق بمعتقدهم، كما يقول، ملمحا إلى بعض التقصير الرسمي في حماية الأيزيديين.
ويضيف: "داعش طبقت الجزية على المسيحيين، وعن الأيزيديين قالوا إن الجزية لا تصلح فلهم الموت، ما حصل خيانة كبيرة رغم أن في سنجار تعايشا بين الجميع".
يمنع على الأيزيديين الزواج من غير طائفتهم، ولا يسمح لرؤساء الطائفة بالزواج، ولكل يزيدي، شيخا وبيرا (شيخ الطريقة) ومراتب أخرى وصولا إلى المريد الذي يمثل عامة الناس من الطائفة، فيما يمثل "بابا جاويش" صاحب السلطة الدينية الأعلى.
يعزو شيوخ الطائفة عداوة الآخرين ضدهم لما يعتقدونه بعدم إيمان الأيزيديين بالله وحده وبالأنبياء، فيما يؤكده "بابا جاويش" الذي زارته CNN بالعربية في معقله أن الأيزيدية التي يتبعها نحو مليون فرد في العالم، تحترم جميع الأديان.
ويقول جاويش إن الأيزيدية تعترف بالأديان السماوية، الإسلام والمسيحية واليهودية، ويضيف: "نحن أقدم ديانة في العالم وعداوة الآخرين تجاهنا ربما تكون من باب الحسد، الآخرين يكرهوننا ونحن لا نكره أحدا. وتعرضنا لـ72 إبادة جماعية منذ الأزل، الجميع يعتقد أننا كفرة لكننا نعبد الله أكثر من كل الناس ونحن عرفناه قبلهم، نحن ندعو إلى الخير".
يقول جاويش إن الأيزيدية لا تتدخل في السياسة، إلا أن عشرات المقاتلين شاركوا في قتال داعش منهم من خلال الفرقة الخاصة التي تقاتل إلى جانب مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني.
تراجعت أعداد زوار المعبد مع بدء الأحداث الذي يرتاده نحو ألف شهريا، من أفغانستان وباكستان وبنغلادش ومن تركيا وسوريا وغيرها، ولا يزال يوم الجمعة يشهد العدد الأكبر من مريدي الديانة، عدا عن أعياد الطائفة السنوية التي ألغي الاحتفال بالعديد منها تجنبا للتوترات، كما يقول أحد شيوخ المعبد، ويعتبر عيد "جما" في أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام العيد الأكبر ويوم الحج لدى الطائفة.
ويشرف على خدمة المعبد العديد من أتباع الطائفة، بما في ذلك القيام بأعمال التنظيف والطهي والغسيل، بمشاركة النساء.