ركز خبراء عسكريون ومحللون إسرائيليون في تحليلاتهم المنشورة في الصحف الصادرة اليوم، الثلاثاء، غداة توقف العدوان على قطاع غزة، على ثلاثة أمور أساسية: لم يتم إبلاغ الجمهور الإسرائيلي بتفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار؛ لا توجد إستراتيجية إسرائيلية تجاه غزة؛ عدوان آخر قادم قريبا.
واعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق والرئيس الحالي لـ"معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عاموس يدلين، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إسرائيل وضعت "غايات إستراتيجية خاطئة" تجاه حركة حماس، التي تحكم القطاع، والفصائل الأخرى. وفسر ذلك بأنه "بدلا من أن تكون الغاية ترميم الردع ومنع تعاظم قوة حماس في الأمد المتوسط، وإضعافها واستبدالها في الأمد البعيد، تدفع إسرائيل إستراتيجية ’المال مقابل الهدوء’، الأمر الذي يرسخ حكم حماس ويضمن أيام قتالية أخرى قريبا، أو حربا واسعة".
وأضاف يدلين أنه توجد "جوانب إيجابية" في العدوان الأخير، بينها الغارات والقصف الإسرائيلي "الأكثر عنفا من مواجهات سابقة"، و"العودة إلى الاغتيالات"، وفي نظرة مستقبلية للأمد القصير، "تم ضمان، على ما يبدو، الهدوء في يوم الذكرى (للجنود الإسرائيليين القتلى) ويوم الاستقلال واليوروفيجين".
وتابع أن "الجوانب السلبية حاضرة بقوة"، بينها مقتل أربعة إسرائيليين، وأن "حماس أملى مرة أخرى توقيت أيام القتال وموعد وشكل انتهائها. والجمهور في إسرائيل دخل إلى المواجهة من دون أن يعرف تفاصيل التسوية المنشودة، وخرج منها من دون معرفة ما تم الاتفاق حوله. وما نعرفه هو أن إسرائيل تواصل دفع المال لمنظمة إرهابية وترفض التحدث مع الجهة التي تعترف بها الأسرة الدولية كصاحبة السيادة 0 السلطة الفلسطينية. والرسالة الموجهة للفلسطينيين هي أن يمارس الإرهاب ضد إسرائيل يحقق أهدافه أكثر ممن يمنعه".
وشدد يدلين على أن الأمر الأهم هو أن "الردع الإسرائيلي متآكل. أيام من القتال لم تعد تردع حماس. ومواجهة أوسع ما زالت تردع، لكن بالصورة التدريجية التي تتطور فيها الأمور، فإنه بات قريبا اليوم الذي سيتبدد فيه الارتداع من حرب شاملة. وفي النهاية، فإن إستراتيجية ’الهدوء سيقابل بالهدوء’ أو ’الهدوء مقابل المال’ استنفدت نفسها، و’إبقاء حماس كعنوان’ هو خطأ. وينبغي الانتقال إلى ترميم الردع، من خلال توجيه ضربة شديدة إلى الذراع العسكري لحماس... والأم المهم هو المبادرة، بدلا من الانجرار الذي يميز الجولات الأخيرة. ومن ليس مستعدا لجعل خصمه ينهار لا أمل بأن يردعه".
واعتبر يدلين أن على إسرائيل أن تسعى إلى "ترميم ونزح السلاح وإعادة حكم شرعي إلى غزة، في الأمد البعيد، بواسطة خطوات سياسية وتوجه يفصل بين الكيانين الفلسطينيين، حماس والسلطة الفلسطينية. وسياسة الفصل التقليدية بتقوية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإضعاف حماس في قطاع غزة استبدلت بنموذج ’قطيعة وانقسام وإضعاف مزدوج’. وهذا النموذج يؤدي إلى تآكل الردع... والأسوأ من ذلك، أنه إذا استمر هذا الوضع فإن النموذج الناجح في الضفة الغربية قد ينهار، بأثمان أعلى بكثير" بالنسبة لإسرائيل.
لفت المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أنه "وفقا لكافة المؤشرات، إسرائيل منحت حماس ما تعهدت بمنحها إياه قبل شهر ونصف الشهر، ولكنها لم تسارع إلى تنفيذه – أي تسريع تحويل المال القطري وتسهيل الحركة في المعابر، مقابل إعادة الهدوء على طول الحدود".
وأضاف أن "لا أحد (في إسرائيل) يوفر تفسيرا للماطلة في تطبيق التسهيلات. وقسم منها نابع على ما يبدو من أسباب لا تتعلق بإسرائيل، مثل أجندة المبعوث القطري إلى المنطقة، محمد العمادي، التي تشوشت وفي أعقابها تأجل تحويل المال من قطر إلى القطاع. لكن كانت هناك تأخيرات أخرى في تنفيذ التعهدات، التي لم تسارع إسرائيل إلى تنفيذها".
ورجح هرئيل أن يؤدي اتفاق وقف إطلاق النار إلى "هدوء مؤقت، يدوم أياما وربما أسابيع. ونتنياهو محق بارتداعه الأساسي من دخول حرب غير ضرورية في القطاع، ستزهق حياة جنودا ومواطنين كثيرين. وتكمن المشكلة في التخوف الإسرائيلي من شكل الاستيعاب السياسي الداخلي لتنازلات أكبر، من دونها تتضاءل احتمالات تحقيق استقرار لأمد طويل نسبيا".
وتابع أنه "عندما تزداد قوة العنف من جولة قتالية إلى أخرى، فإن مواجهة أخرى مع حماس والجهاد الإسلامي هي مسألة وقت وحسب. وبدأوا في الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن إمكانية عملية عسكرية واسعة في القطاع على أنها احتمال معقول، بحلول أشهر الصيف والخريف القريبة. والأوضاع المتوترة باستمرار في القطاع، التي تنهار تحت ضعف البنية التحتية المدنية فيه، تنضم إلى عمليتين مقلقتين في جبهتين أخريين، مرتبطتين ببعضهما – هما الضفة الغربية وبشكل غير مباشر أيضا التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران".
ومضى هرئيل أنه "في الضفة يوجد خطر فقدان السيطرة بسبب خيبة أمل السلطة الفلسطينية من ’صفقة القرن’، التي تعتزم إدارة ترامب طرحها في حزيران/يونيو المقبل، بعد انتهاء شهر رمضان. والإحباط الفلسطيني يمتزج بضائقة اقتصادية، نابعة من الأزمة مع إسرائيل حول أموال الأسرى وتقليص ميزانيات المساعدة الدولية، بمبادرة الولايات المتحدة".