الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد:
يمكن تقسيم صوم التطوع إلى قسمين:
أولا- تطوع موسع، أي يمكن تدارك فضله وهو غير مقيد بيوم.
ثانيا- تطوع مضيق، أي المحدد والذي ينقضي فضله بزوال يومه مثل تاسوعاء وعاشوراء وتسعة ذي الحجة وعرفة.
فالأول الأكمل فيه أن يقدم القضاء؛ لأن الاشتغال بالفرض مقدم على الاشتغال بالنافلة لما فيه من تبرئة الذمة. ولأن الفرض أشرف وأعلى رتبة من التطوع، قال رسول الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال:... وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه..."{رواه البخاري}.
ولأن الفروض والواجبات هي الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع، والأمر بها جازم يتضمن أمرين الثواب على فعلها والعقاب على تركها فالفرض كالأس والنفل كالبناء عليه.{انظر: فيض القدير(2/305)}.
قال ابن شرف النووي عقب حديث "...وما تقرب...":"فيه إشارة إلى إنه لا تقدم نافلة على فريضة وإنما سميت النافلة نافلة إذا قضيت الفريضة وإلا فلا يتناولها اسم النافلة ويدل على ذلك قوله:"ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"؛ لأن التقرب بالنوافل يكون بتلو أداء الفرائض". {شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية لابن شرف النووي(1/34)}.
وقال عمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته:"أفضلُ العبادة أداءُ الفرائض، واجتنابُ المحارم".
{أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على"الزهد"( 1711 )، والدينوري في "المجالسة" (2586)، انظر: جامع العلوم والحكم(38/9)}.
جاء في شرح النووي على مسلم(3/446):"قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء: إِنَّ ثَوَاب الْفَرْض يَزِيد عَلَى ثَوَاب النَّافِلَة بِسَبْعِينَ دَرَجَة".
ثم إن المنية قد تدرك المكلف بالقضاء قبل أن يقضي ما عليه، إذ أن الأجل محدود محجوب يأتي بغتة؛ لذا تستحب المبادرة بالقضاء بعد التمكن من الأداء وقبل الصوم المندوب.
أما الثاني فالأكمل تقديمه على القضاء ليجمع المرء الفضيلتين: فضيلة صيامها وفضيلة القضاء. شريطة أن يستحضر المتنفل العزم على القضاء، حتى إذا ما مات لا يموت عاصيا.
والذي يدل على جواز التطوع بالصوم قبل قضاء الفرض؛ هو أن قضاء الصيام واجب موسع لقوله تعالى:"فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"[البقرة:184]، ولم يأت دليل يدل على المنع من التطوع بالصوم قبل القضاء. وعموم الأدلة فيها الحث على الصيام دون قيد، فمثلاً حين ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بصيام عاشوراء أطلق ولم يقيد ذلك بمن لم يكن عليه قضاء.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقضي الصيام في شعبان، ولا شك في أنها كانت تصوم تاسوعاء وعاشوراء وعرفة والست من شوال وغير ذلك مما ندب إلى صيامه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن الأمر جائزا لنقل إلينا ولقدمت القضاء على الصوم المندوب، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها:"كان يكون علي الصيام من رمضان فما أقضيه إلا في شعبان الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم".
وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه"، فهو مضطرب كما جاء في علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي(1/259).
قال البهوتي في كشاف القناع(6/117):"والحديث يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف وفي سياقه ما هو متروك".
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء