اصددر الشيخ صفوت فريج بيانا بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، التي صادفت يوم أمس الأحد، جاء فيه:

 

ذكر بعض أهل العلم أنّ هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الفعليّة كانت في ربيع الأوّل، بينما كان العزمُ عليها والاستعداد لها في الأوّل من شهر محرّم، بعد الفراغ من موسم الحجّ عام 622 ميلادي، أي بعد بيعة العقبة الثانية، ولهذا يمكن اعتبار أوّل شهر محرّم بداية العام الهجري. ‎وقد استدلوا على ذلك بقول الحافظ بن حجر في "فتح الباري" (7/ 268، ط. دار المعرفة): "وإنّما أخَّرُوه من ربيع الأوّل إلى المحرّم؛ لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرّم، إذا وقعت البيعة في أثناء ذي الحجّة، وهي مقدّمة الهجرة، فكان أوّل هلال استهلّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال شهر محرّم".

 

تهلّ علينا ذكرى الهجرة النبويّة معلنة بداية عامٍ هجريّ جديد، نستقبله راجين الله فيه الخير والصلاح لنا ولأهالينا ولمجتمعنا وشعبنا وأمّتنا وللإنسانيّة كلّها، ونودّع عامًا قد مضى، لنا فيه ما لنا، وعلينا فيه ما علينا، وكلّه خير ما دامت أمورنا تسير بين الشكر لله والصبر على قضائه، مصداقًا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له".

 

 

لنا حظٌّ خاصّ في الهجرة

 

ولنا بفضل الله حظٌّ خاصّ في الهجرة، ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روي عن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أنّه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"، فهجرة المؤمن نيّته، فمن كانت هجرته لله صادقة قُبِلَت منه هجرته، ومن كانت نيّته خالصة لله في القيام بأعمال البرّ والطاعة، وهجر المعاصي والظلم والذنوب، واستحضار النيّة لله وحده في كلّ عمل، تكون هذه النيّة كفيلة لأن تجعل صاحبها من أهل الاستقامة وصراط الله المستقيم.

 

نكاد نُجمع في هذه البلاد على واقعنا الصعب والمرّ الّذي نعيشه كمجتمع وشعب. ولعلّ أبرز الدروس المستفادة من الهجرة النبويّة أنّنا يجب ألّا نستكين لواقعٍ مهما قسا علينا واشتدّ، "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ". الله لم يطالبنا بالنتيجة، الله يأمرنا بالسعي والعمل على تغيير واقعنا، وعدم الركون للجمود والاستسلام والقبول بما لا يجب أن نقبل به. مأمورون نحن بالسعي والعمل، ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

 

جسّد هذا اليوم مثالًا حيًّا على الواقع المرّ الّذي نعيشه هنا في هذه البلاد الّتي شرّفنا الله فيها بأن نكون حماةً للأقصى مرابطين فيه، حيث عمل إخواننا في جمعيّة الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدّسات الإسلاميّة على تنظيم تكريم لحجّاج بيت الله الحرام من أبناء وبنات مجتمعنا العربي في الداخل، ليحضروا إلى هناك بآلافهم، كبارٌ وصغار، رجالٌ ونساء، وهم يهجرون الكسل والسلبيّة، ويخلصون النيّة ابتغاء مرضات الله، واصلين السعي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ليجدوا أمامهم شرطة بن جڤير الفاشي العنصري بيّتت النيّة عن سبق إصرار وترصّد، لتمنع أصحاب الحقّ من الدخول إلى مسرى نبيّهم، وتُمعن أكثر في تعسّفها حينما تمارس عليهم شتّى أنواع العنف اللفظي والجسدي! ما أجهل هؤلاء وأسيادهم، نحن أمّة محمّد، نعظّم حرمات الله ونقدّس بيوته، نحمي دور العبادة ولا نعاديها، وفي الوقت ذاته أبدًا لا نهجر الموقف والمبدأ والمنهج مهما تعنّت الظالمون.

 

لم يرضَ هو وأصحابه بالواقع

 

وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يوم هاجر من بيته ومن بين أهله. لم يرضَ هو وأصحابه بالواقع الّذي حاول كفّار مكّة أن يفرضوه عليهم. بحثوا عن سبل النهوض لتثبيت قواعد المشروع الإسلامي لبناء مجتمع ثمّ أمّة. عملوا بلا كلل، ذاقوا الويلات، تعرّضوا للمسّ ومحاولات التشويه والتضييق والحصار والمجاعة، لكنّ إيمانهم بنصر الله كان أقوى. توكّلوا عليه ولم يتواكلوا. لم يقعدوا في مكّة يلعنون الحظّ والظَلَمة، بل عملوا ليغيّروا الحال ويخلقوا الفرص، بتخطيط وإيمان وثقة وشجاعة وتوظيف قدرات، حتّى جاء نصر الله والفتح.

 

نسأل الله العليّ القدير أن يكون عامنا هذا عام خير وبركة، وأمن وأمان، وطمأنينة وسلام. نسأل الله أن يطعم شعبنا من جوع ويأمنهم من خوف، نسأل الله أن يرفع الظلم عن المظلومين، وأن يجعل كيد الظالمين في نحورهم.

 

الشيخ صفوت فريج- رئيس الحركة الإسلامية