الرئيسية » دين ودنيا » قصة جميلة لها معنى - د. نزار جرن
قصة جميلة لها معنى - د. نزار جرن
18/10/2014 - 22:01

كانت بلاد الفرس ظاهرة _منتصرة_ على الروم، وكان المشركون يحبون أن تنتصر بلاد الفرس على الروم، لقاسم مشترك يجمع الطرفين، أنهما أهل أوثان، إلا أن المسلمين كانوا يحبون أن تظهر بلاد الروم على أهل الفرس لسبب يجمعهما مع بعض، أنهما أهل كتاب، وبهذا فأهل الروم يظلون هم الأقرب إلى المسلمين من الفرس، فلما أنزل الله قوله تعالى:" الم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم" الروم/1_5.

عندئذ توجه نفر من المشركين إلى أبي بكر وقالوا له: يا أبا بكر، إن صاحبك يقول: بأن الروم سوف تظهر على بلاد فارس في بضع سنين.

قال أبو بكر: صدق.

قال المشركون: هل لنا أن نقامرك_نراهنك_  

فبايعوه على سبع سنين، فلما انتهت السبع ولم ينتصر الروم فرح المشركون وحزن أصحاب النبي عليه السلام، فلما بلغ ذلك النبي عليه السلام زادهم سنتين_ أي مدد فترة الرهان سنتين، لتصبح تسع سنين بدل السبع_ وقبل أن تنتهي السنتين تمكن أهل الروم من تحقيق الانتصار الساحق على أهل الفرس، ففرح بذلك المسلمون، وخاب عندها المشركون

عندما نختلف تعالوا نبحث عن قواسم مشتركة تربطنا مع بعضنا البعض

عندما نبحث عن فروقات بين المسلمين وأهل الروم نجد لا حصر لها، فهي كثيرة ومتشعبة في كافة مجالات الحياة، سواء كانت فروقات فكرية، اجتماعية، نفسية، تنظيمية، وعلى رأس ذلك كله فروقات عقائدية ،  بينما نجد أهل الروم يدينون بعقيدة التثليث، التي تصطدم إلى حد كبير مع العقيدة الإسلامية الصافية.

برغم وجود هذه الاختلافات الكبيرة لم ييأس المسلمون من البحث عن فرص التقارب مع أهل الروم، التي من شأنها أن تقلل من سعة الفجوة بينهما، فوجدوا أن نزول كتاب سماوي _الإنجيل_ عليهم قد جعلهم أكثر قربا إليهم من أهل الفرس، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد، بل استتبعه تقارب في الشعور والعواطف، فعندما حقق الروم النصر على الفرس فرح المسلمون كما فرح أهل الروم، وقد رأينا هذا النوع من التلاحم الشعوري عندما انتصر الفرس على الروم، فحزن المسلمون كما حزن الروم.

نحن نود أن يرتقي الوعي الإسلامي إلى هذا المستوى المتألق في واقعنا المعاصر، الذي نشهد فيه حالات من "الطلاق الاجتماعي" بسبب اختلاف الرؤى والتصورات والمفاهيم والأفكار بين الأفراد والجماعات والأحزاب والعائلات وسائر المؤسسات الاجتماعية، التي ما زالت تقدم لمجتمعنا مزيدا من الانشقاق والتفسخ والترهل والتنافر بين فئات المجتمع، وهو ما أطلقنا عليه "الطلاق الاجتماعي" علما بأنه لو فرضت الظروف حصول الطلاق بين اثنين، فعلينا التقيد بالتوجهات القرآنية التي تعطي صفة حضارية لهذا الطلاق وهو في قوله تعالى:" الطلاق مرتان: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" البقرة/229.

فالإمساك بمعروف لا يكون إلا بعد أن نَجدّ في البحث عن قواسم مشتركة تربطنا مع بعضنا البعض لحظة وقوع الاختلاف، وما أكثرها، سواء كانت على صعيد القيم التي نؤمن بها، أو الآلام التي نحملها بداخلنا، أو الآمال التي نعيش من أجلها، أو التحديات التي تنتظرنا هناك، أو البقعة الجغرافية التي نعيش فوقها، أو الدين، والدين خير ما يجمعنا.

إن من أعظم قيم الوجود أن نعرف كيف نعيش مع بعضنا بحب واحترام لحظة اختلافات وجهات النظر، وليس لحظة تشابه وجهات النظر وتماثل الأفكار، فعندما تتشابه أفكارنا في المأكل والمشرب والملبس والتعليم والتفكير والتحليل فليس هناك ما يستدعي حصول النزاع، أو يقتضي وقوع المشاكل.

 

 د. نزار جرن

اضف تعقيب
الإسم
عنوان التعليق
التعليق
ارسل
  • 04:45
  • 11:25
  • 02:20
  • 04:41
  • 06:00
  • You have an error in your SQL syntax; check the manual that corresponds to your MariaDB server version for the right syntax to use near ')) order by `order` ASC' at line 1