آخر مرة زار فيها جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، تركيا في كانون الثاني/يناير الماضي حمل معه رسالة صارمة للرئيس رجب طيب إردوغان، مفادها أن نموذجه للديمقراطية الإسلامية يعطي مثالا سيئا من خلال ترهيبه لوسائل الإعلام وتهديده الحياة الجامعية.
ولكن لهجته كانت مختلفة بشكل ملحوظ لدى وصوله إلى أنقرة يوم الأربعاء الماضي، بعد أسابيع من وقوع انقلاب فاشل في تركيا أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين وبدا أنه يحاول الحد من الأضرار الدبلوماسية التي قد تلحق بالعلاقات بين الجانبين.
وغضب المسؤولون الأتراك بسبب القلق الذي أبدته واشنطن والعواصم الأوروبية إزاء حملة القمع التالية التي قامت بها أنقرة على المتآمرين المشتبه بهم وعدم الاكتراث بمحاولة الانقلاب نفسها على حد تصورهم.
ويمثل إضعاف التحالف الأميركي - التركي قلقا للولايات المتحدة التي تعول على الدعم الذي تقدمه تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، في الحرب ضد تنظيم 'الدولة الإسلامية'.
وربما أدى إعادة إردوغان العلاقات مع روسيا، بل ومناقشة التعاون العسكري مع الرئيس فلاديمير بوتين، إلى مضاعفة مخاوف الأميركيين .
وقدم بايدن رسالة تحالف ومصالحة لدى اجتماعه مع إردوغان ورئيس وزراء تركيا، بن علي يلدريم، في أنقرة يوم الأربعاء.
وقال بايدن إنه 'اسمحوا لي أن أقولها للمرة الأخيرة.. أن الشعب الأميركي يقف معكم.. باراك أوباما كان من أوائل الناس الذين اتصلتم بهم. ولكنني أعتذر. كنت أتمني لو أنني استطعت أن أكون هنا قبل ذلك'.
وقال إن المسؤولين الأميركيين سيتعاونون في التحقيق في الأدلة ضد فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة والذي يتهمه إرودغان بتدبير محاولة الانقلاب مع أنصاره.
وطالب إردوغان واشنطن بتسليم غولن الذي نفي أي تورط له في محاولة الانقلاب ولكن السلطات الأميركية قالت إنه يجب على تركيا أن تقدم أولا أدلة على ارتكابه خطأ.
وقبل ساعات من وصول بايدن وفي إبراز في الوقت المناسب للدور الذي تلعبه تركيا في الحرب ضد تنظيم 'الدولة الإسلامية'، شنت القوات التركية بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هجوما كبيرا عبر الحدود داخل شمال سورية لطرد مقاتلي التنظيم من بلدة جرابلس الحدودية.
وقال القائد الأعلى السابق للتحالف في حلف شمال الأطلسي، الأميرال جيمس ستافريدس، إن مفتاح العلاقات الأميركية مع تركيا هو تحقيق توازن في التوترات الواقعية والمثالية بين الحاجة إلى وجود حليف قوي وإقليمي بحلف شمال الأطلسي وإعطاء اهتمام لحقوق الإنسان.
ومنذ محاولة الانقلاب التي قُتل فيها أكثر من 240 شخصا فصلت السلطات التركية أو أوقفت عن العمل عشرات الآلاف من العسكريين والموظفين الحكوميين والقضاة الذين يشتبه بصلتهم بشبكة غولن. واعتُقل رسميا نحو 40 ألف شخص بسبب صلاتهم بمحاولة الانقلاب.
وتوترت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي أيضا بسبب رد الفعل على حملة الحكومة. وأبدى مسؤولو الاتحاد الأوروبي مثل واشنطن قلقهم إزاء حجم التطهير وحثوا أنقرة على تعزيز سيادة القانون.
وزاد هذا الخلاف من التوترات بشأن اتفاق للاتحاد الأوروبي مع تركيا للمساعدة في معالجة أزمة المهاجرين بأوروبا وهو الجزء القوى الآخر من النفوذ الذي يمتلكه إردوغان مع الغرب.
وحذرت أنقرة من أن تركيا قد تتراجع عن وعدها بوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا إذا لم يمنح الاتحاد الأوروبي الأتراك حق السفر بلا تأشيرة في تشرين الأول/أكتوبر.
وكثيرا ما انتقد المسؤولون الأوروبيون في الماضي إردوغان بشأن ما يصفه معارضوه بالنزعة التسلطية الزاحفة وعدم التسامح مع المعارضين بما في ذلك سجن الصحفيين الذين يوجهون انتقادات وهي اتهامات نفاها الزعيم التركي.
ولكن من زاروا تركيا خلال الأسبوعين الماضيين تحدثوا مثل بايدن بلهجة تصالحية على نحو أكبر.
وحتى قبل التوترات الدبلوماسية التي أعقبت محاولة الانقلاب كانت العلاقات الأميركية - التركية معقدة وحساسة.
وعملت الدولتان العضوان في حلف شمال الأطلسي معا ضد تنظيم 'الدولة الإسلامية' في سورية. ولكن تركيا تدعم المعارضين السوريين في حملة ليس لطرد 'الدولة الإسلامية' فحسب ولكن أيضا لوقف تقدم قوة تدعمها الولايات المتحدة مشكلة أساسا من مقاتلين أكراد تعتبرهم أنقرة حلفاء للمتمردين الأكراد في أراضيها.
وأكد الطبيعة المزدوجة للمخاوف الأمنية التركية في سورية المجاورة، توغلها بدعم من الولايات المتحدة الأسبوع الماضي والذي قالت إنه يستهدف منع المقاتلين الأكراد من السيطرة على أراض بنفس قدر استهدافه القضاء على 'الدولة الإسلامية'.
وقال مسؤول أميركي إن زيارة بايدن استهدفت إلى حد ما تصحيح الانطباع بين بعض الأتراك بأن واشنطن وافقت إلى حد ما على محاولة الانقلاب وأيضا لتوضيح تفهم الحكومة الأميركية للصدمة التي سببتها محاولة الانقلاب لتركيا.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إن 'تعاطف نائب الرئيس صادق ومن المهم للشعب التركي أن يسمعه. في الوقت الذي يسود فيه غموض كبير من المهم أن تذكر الأصدقاء أنك تساندهم'.
وزار بايدن مبنى البرلمان في أنقرة والذي تعرض للقصف خلال محاولة الانقلاب من قبل طيارين مارقين مبديا أسفه على سقوط قتلى.
واعترف إردوغان بأهمية التحالف بين تركيا والولايات المتحدة ورحب برسالة التضامن التي قدمها بايدن. ولكنه رفض تصريحات بايدن التي قال فيها إن محكمة اتحادية أميركية لا بد وأن تقرر ما إذا كان سيتم إرسال غولن إلى تركيا بدلا من المطالبة بتسليم غولن بشكل مباشر.
وقالت صحيفة 'صباح' التركية اليومية المؤيدة للحكومة في مقال افتتاحي الأسبوع الماضي 'يا لها من فرصة أهدرها هو (بايدن) والإدارة الأميركية. هل قطع كل هذه المسافة الطويلة إلى تركيا لمجرد أن يقول إن ’الأمر في يد القضاء’؟ ألم يكن يكفي أن يقوم متدرب بسيط في مكتبه بنقل نفس الرسالة دون إثارة كل هذه الضجة؟'.