نجا من مذبحة داريا وسبح إلى اليونان وعبر 3 دول مشيا إلى ألمانيا..
لم تكن أحلامه كبيرة كباقي الشباب في عمره، حلم أن يكمل دراسته الجامعية في كلية الحقوق بوطنه المشتعل سوريا وأي يصبح محاميا ولربما قاضيا يمنح خلاله الفرصة لوالده أن يفتخر به، إلا أن الحرب لم تترك له هذه الفرصة خاصة في منطقته داريا بريف دمشق وهي أولى المناطق التي خرجت في تظاهرات مؤيدة لرحيل النظام السوري.
قصص مروعة قد تكون حدثت مع لاجئين سوريين أثناء رحلتهم إلى القارة العجوز وانتهت بنهايات مؤلمة، ولكن تفاصيل رحلة السوري هشام معضماني تحمل محطات قد لا يتخيلها أحد عن موضوع الهجرة السورية إلى أوروبا، فيها مغامرات ولحظات صعبة ورؤية الموت ماثل قبل أن تكتب مدينة هامبورغ الراحة له.
وروى هشام الذي تفاصيل رحلته المروعة، والتي بدأت بنجاته من المذبحة التي حدثت في مدينته داريا في أغسطس 2012 وراح ضحيتها 220 شخصا، وذلك بفضل اختباءه وعائلته في المزارع المحيطة، ليقرر بعدها الخروج من سوريا لأنه مطلوب للخدمة العسكرية ولمعارضته سياسات النظام.
ودع هشام والدته على عجل وغادر بلاده إلى لبنان محطته الأولى وأقام فيها لمدة أسبوع وانتقل إلى مصر في سبتمبر 2012 رغبة منه بإكمال دراسته الجامعية، وبسبب إغلاق باب التسجيل في الجامعات قرر الذهاب لتركيا والعودة بطريقة غير شرعية إلى سوريا للقاء أهله، وظنا منه أن الحرب ستحط رحاها في بلده.
هشام يقول: "عدت حينها إلى الغوطة الشرقية ولكن لقاء أهلي على بعد 5 كم مني كان مستحيلا بسبب تواجد القوات الحكومية التي تطلبني للخدمة العسكرية". وفي الخامس من نيسان 2013 بدأت رحلته الحقيقية من الغوطة إلى أوروبا، فبعد محاولات ثلاثة فاشلة للخروج من الغوطة وافق سائق شاحنة يريد إيصال جرحى وعائلات إلى الأردن على أخده معه، وهنا نجا من الموت للمرة الثانية بعد تعرض الشاحنة لإطلاق نار من القوات الحوكمية بالقرب من حدود الأردن.
بعدها اعتقل لفترة بسيطة من قبل حرس الحدود في الأردن واحتجز جواز سفره لضرورات أمنية. إلا أن عمله في الأردن حينها لمدة عامين لم يكن كافيا أن يمول رحلته إلى أوروبا فلم يستطع تجميع أكثر من 1300 دولار قد لا تكفيه للوصول إلى اليونان. وفي حزيران من العام الجاري كان الموعد المطلوب ذهب إلى مطار عمان خائفا من إمكانية إعادته وصادف رفيق رحلته فراس أبو خليل من مدينة اللاذقية الساحلية وسافرت طائرتهما إلى تركيا.
هنا بدأ السؤال كيف نصل لأوروبا علما أن الوصول من تركيا لليونان يكلف نحو 1000 دولار للشخص، وبعد سير ساعتين تحت أشعة الشمس الحارقة قررا اختيار الطريق الأطول والمجاني والأقرب للموت، وهو العبور سباحة بعد استنفاد الطرق الأخرى. فبدأ الشابان رحلتهما مساء خوفا من اكتشاف أمرهما من قبل القوات التركية وكانا اشتريا أدوات السباحة المطلوبة.
وفقا لهشام هنا كانت أصعب لحظة في الرحلة عندما غطس في المياه الباردة في الظلام الحالك وأحس بالموت يدنو منه، وبالفعل سبحا مسافة 8 كم من شاطئ "ششمة" في أزمير التركية إلى جزيرة كويس اليونانية ولمدة 6 ساعات متواصلة.
بعد اجتيازهما المسافة أحياء استغرب خفر السواحل اليونانية مما فعله الشابان، فهما أول لاجئين سوريين يقومان بالسباحة على هذه المسافة الطويلة. بعد أن كانت الشرطة تستقبل قوارب مطاطية تحمل نحو 40 لاجئ سوري.
جائعان وعطشان قابلا الشرطة اليونانية واستطاعا الحصول على وثيقة تسمح بالبقاء في اليونان لمدة 6 أشهر. وبعدها انضم للرحلة أصدقاء جدد، وبعد نوم ليلة في اثينا اتجهوا إلى الحدود مع مقدونيا. ولأنه لا يمكنهم ركوب الباص أو القطار اتفقوا مع باص خاص لنقلهم إلى قرية تدعى كيلكيس تبعد عن الحدود 21 كم، وعند النزول من الباص اكتشفوا أن المنطقة مقطوعة وأن الحدود تبعد نحو 80 كم ساروا خلالها مشيا على الأقدام دون طعام ومنذ الساعة 12 ظهرا وتحت حر الشمس.
في هذه الظروف القاسية وقف الجميع للراحة تحت ظل شجرة، تقفد هشام هاتفه اليوناني ليكشف رسالة مؤلمة تخبره أن والده قد فارق الحياة، في الوقت الذي أراد فيه هشام أن يفاجئه بخبر وصوله إلى ألمانيا ومتابعة التعليم كما أراد له.
وصل الجميع عند الساعة الثالثة فجرا إلى الحدود المقدونية بأقدام مدماة ليفاجئوا أن القوات المقدونية ترفض إدخال أحد، فاضطر 200 شخص للسير بين الغابات مدة 8 ساعات قبل أن يصلوا قرية جفجيليا المقدونية لتبدأ الرحلة إلى بلد جديد هو صربيا.
في اليوم التالي الساعة الواحدة ظهرا بدأت الوجهة الجديدة من محطة الباصات إلى مدينة كومنوفو القريبة من حدود صربيا. ولدى الوصول إلى الحدود رفضت السلطات المقدونية عبورهم وأوحت لهم بالعبور من خلال الطريق الترابي إلى صربيا وبعد مشي لمدة ساعة صادفوا دوريات للجيش الصربي وبعد أن غاب الجنود نتيجة ملاحقتهم لمجموعة لاجئين اغتنمت مجموعة هشام الفرصة وعبرت الحدود الصربية ومشوا نحو 5 ساعات حتى وصلوا إلى قرية صربية وركبوا القطار إلى العاصمة بلغراد.
المحطة القادمة هنغاريا التي يخاف منها اللاجئون لأن من يقبض عليه يجبر على البصم والتقدم بطلب اللجوء بها، هنا تفرق هشام ورفيق دربه فراس الذي اتفق مع مهرب للالتحاق بعائلته في بلجيكا مقابل 1500 يورو، وبقي هشام مع شابين وحجزوا تذاكر إلى قرية حدودية مع هنغاريا.
وفي الطريق أوقفتهم الشرطة الصربية وطلبت منهم 10 يورو على كل شخص مقابل السماح بإكمال الطريق وأشاروا لهم أن يسلكوا طريقا ترابيا نحو مدينة سجد الهنغارية. وتطلب السير إلى هذه القرية نحو 7 ساعات. حتى قبضت عليهم الشرطة الهنغارية وأجبرتهم على وضع البصمة.
وفي اليوم التالي اتفق هشام مع سيارة تنقله و11 مهاجرا من العاصمة بودابيست إلى ألمانيا. مقابل 500 يورو للشخص الواحد، بعد أمتار قليلة في ألمانيا أوقفتهم سيارة شرطة واعتقلوا السائق بتهمة نقل مهاجرين غير شرعيين، وتقدموا نحوهم وسألوهم: هل أنتم سوريون، أجابوا نعم جميعا، فقالت الشرطة "أهلا بكم في ألمانيا". انتهى طريق الموت بعبارة "أهلا بكم في ألمانيا"، في تجربة قاسية لن يكررها هشام لو عاد به الزمن كما لا يتمنى لأحد من أبناء جلدته أن يقوم بها.
معاناة هشام تشبه معاناة الآلاف من السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا إلى القارة العجوز، وقصة عائلته قد تكون أيضا شبيهة بقصص جميع عائلات السوريين إذ تسكن أمه وأخيه الصغير في لبنان، وأخيه الآخر في مصر، وأختاه في دول الخليج العربي، أما أخيه الآخر فهو في عداد المفقودين في سوريا.