رغم تحول الاتحاد الأوروبي إلى مُسلمة في حياة الأوروبيين وقدوة يُحتذى به، إلا أن أزمة تدفق اللاجئين والاستفتاء على خروج أو بقاء بريطانيا من الاتحاد، أعاد فتح ملفاته القديمة وطرح سؤالا قديما جديدا، حول حصيلة فوائده وأضراره على الدول الأعضاء.
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 أكثر الحروب الدموية في التاريخ ، ظهرت دعوات لانضمام كل من ألمانيا وفرنسا تحت راية اتحاد واحد لمحاولة تجنب تكرار عقود من الحروب المريرة من الطرفين من خلال التعاون الاقتصادي خاصة في مجال الفحم والحديد، وكانت تلك الدعوات هي بداية تأسيس الاتحاد الأوروبي عقب ذلك بعقود.
الفكرة لم تنفذ إلا في 1993 بعد أن مرت بمرحلة السوق الأوروبية المشتركة منذ عام 1957، وكان الهدف منها تحقيق التناغم بين الدول الأوروبية، من خلال خلق سوق موحّد لنقل البضائع والخدمات والمواطنين بين الأعضاء دون رسوم.
والآن يبلغ عدد أعضاء الاتحاد28 دولة، كل منها دولة مستقلة ولها سلطة داخلية ، لكنهم اتفقوا على الالتزام بقانون للتجارة فيما بينهم.
لكن ماذا استفادت الدول التي انضمت للاتحاد؟ وما الذي كان عليها أن تقبله كشروط للانضمام.
فوائد الانضمام للاتحاد الأوروبي
رفعت السوق الموحدة في الفترة بين عامي 1993 و2003 اكتسب الناتج المحلي لدول الاتحاد زيادة قدرها 877 مليار يورو ( أي 588 مليار جنيه استرليني ) عند بداية إنشائه، ما أدى الى إضافة في متوسط دخل الفرد قدرها 5700 يورو (أي 3819 جنيها استرلينيا) .
ووفقا لإحدى الدراسات فإن حتى دولة مزدهرة كبريطانيا استفادت من وجودها في الاتحاد الأوروبي في تحقيق زيادة أكبر في الناتج المحلي مما لو كانت خارجه.
كما أن صناديق الاتحاد الأوروبي للمساعدة الهيكلية الموجهة لتنمية لاقتصادات دول أوروبية الشرقية ستعود بالنفع على المملكة المتحدة على المدى الطويل لأنها هذه الدول ستصبح أكثر ثراء ، وستكون قادرة على شراء المزيد من صادرات المملكة المتحدة.
وقد اجتذب الاتحاد الأوروبي استثمارات أكبر من خارج الاتحاد الأوروبي ، فقد نمت الاستثمارات المتدفقة على الاتحاد من 23 مليار يورو إلى 159 مليار يورو، وكون بريطانيا عضو في سوق أوروبي واحد هو عامل مهم في تشجيع الشركات اليابانية على الاستثمار بها .
رغم أن الكثيرين من مناوئي الاتحاد الأوروبي يعترضون على هذا البند ، إلا أن الواقع أن حرية حركة العمالة ورأس المال خلق اقتصاد أكثر مرونة ، فعلى سبيل المثال ، استفادت المملكة المتحدة وأيرلندا من هجرة العمال من أوروبا الشرقية لملء النقص في سوق العمل في مجالات معينة ، مثل السباكة والتمريض و التنظيف.
كما ساعدت الهجرة على زيادة القدرة الإنتاجية وزيادة الإيرادات الضريبية.
وتمكن حرية حركة البريطانيين من العيش والعمل في أوروبا، فنحو 1.6 مليون مواطن بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي خارج المملكة المتحدة ( تقرير الاستثمار العالمي للأونكتاد 2010).
التجارة الحرة والسفر دون جمارك خفّضا الأسعار على المسافرين والتجار الذين يتنقلون بين دول الاتحاد، كما زادت حركة التجارة بين الدول الأعضاء بنسبة 30%، ما خلق فرص عمل إضافية للمواطنين.
الرسوم الجمركية ليست وحدها التي ألغيت، فالتسوق في دول الاتحاد أصبح حرا للمواطنين بعد العودة الى ديارهم.
فالمواطن لا يدفع ضريبة مبيعات على منتج اشتراه من دولة أوروبية عند دخوله دولة أخرى في الاتحاد.
التقليل من البيروقراطية، فبعد إزالة الحدود الجمركية لم يعد هناك حاجة لتوثيق أوراق 60 مليون شخص سنوياً، أي خفض التكاليف والوقت والمجهود.
جعل الاتحاد دوله من بين الأعلى عالمياً في مؤشر التنمية البشرية، وهو المؤشر الذي يقيس مستوى الدخل والتعليم ومتوسط الأعمار.
من بين مبادئ الاتحاد، وجود معايير سلامة موحّدة وقواعد للحد من التكاليف عند تأسيس الشركات، ما ساعد على تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة على تعتمد على كميات قليلة من التصدير.
منع الاحتكار، إذ تقوم سياسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي على تجنب الهيمنة واحتكار الشركات وحماية مصالح المستهلك.
تخفيض تكلفة المكالمات للخارج بين دول الاتحاد، ففي عام 2007 وضع الاتحاد تشريعات تقر حداً أقصى لاستقبال وإجراء المكالمات، وفي 2014 صوّت لإلغاء تكلفة خدمة التجوال، ما ساهم في تخفيض سعر إجراء المكالمات بالخارج
هل منع الاتحاد الأوروبي الحروب؟
نعم منع الاتحاد النزاعات بين دوله الأعضاء ، إذ إن هناك مبادئ صارمة تتبع بين الأعضاء تمنع حدوث مشكلة سياسية أو اقتصادية بينهم، وتعزز السلام بين الدول ، وبالفعل لم تشهد دول الاتحاد الأوروبي حروبا فيما بينها بعد مئات السنين من الصراعات الدامية باستثناء الحرب الأهلية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة التي لم تكن وقتها جزءا من الاتحاد الأوروبي.
ومع وجود المميزات التي يتمتع بها سكان الاتحاد إلا أن على الدول اتباع قواعد أخرى قد لا تكون جيدة لهم جميعاً.
فكل دولة مطالبة بتعليم أبنائها في المدارس اللغة الإنكليزية طالما صارت عضواً بالاتحاد.
يكون على الدول القوية مشاركة ثرواتها مع الدول الأخرى الأصغر، وهذا الشرط ليس جيداً دائماً، فعلى الرغم من المنفعة التي تعود على الدول الأفقر، ,وهذا أمر أمر سئ بالنسبة للبلدان التي لديها القدرة على أن تصبح من قادة العالم .
أحياناً ما تتفوق سلطة الاتحاد على سلطة الحكومات في الدول الأعضاء، وهو ما يخلق مشكلات وتضارباً في القرارات بين الاتحاد الأوروبي والسلطات الوطنية.