من الزنزانة رقم 5 في القسم 2 في سجن الجلبوع، انطلقت عملية حفر ما بات يعرف فلسطينيا بـ"نفق الحرية"، في بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، للتحرر من أكثر السجون الإسرائيلية حراسة؛ 9 شهور دامت عمليات الحفر، وسط الأسوار العالية والأسلاك الشائكة والحراسة المعززة والكاميرات المتطفلة، كل ذلك لم يمنع أسرى عملية الجلبوع من رؤية نور الحرية في نهاية النفق.
لم تغب إمكانية إعادة الاعتقال عن ذهن الأسرى خلال عمليات الحفر، غير أن التوق إلى الحرية وتنشق هواء فلسطين والتمتع بثمار بساتينها والتعرض لشمسها ورؤية الأهل والأحباب، شكلت دافعا لهم للمواصلة. لم تكن عملية اعتباطية أو عشوائية، بل كانت مدروسة منذ أن لمعت كفكرة في ذهن الأسير محمود عارضة.
كل ذلك يتضح من حديث الأسيرين محمود عارضة (46 عاما) من جنين ومحمد عارضة (39 عاما) من عرابة جنين، إلى محاميهما، فجر اليوم الأربعاء، نقله الأخيران إلى مراسلي "عرب 48"، محمد محسن وتد وضياء حاج يحيى، ويكشف النقاب عن تفاصيل عملية حفر النفق ووجهة الأسرى وتفاصيل عملية إعادة الاعتقال وما يتعرض له الأسرى من تعذيب وتنكيل واعتداءات في معتقل الجلمة.
أكد الأسير محمود عارضة المعتقل منذ العام 1996 والمحكوم بالسجن مدى الحياة، في إفادته للمحامي رسلان محاجنة، خلال اللقاء الذي جمعهما فجر اليوم، الأربعاء، في معتقل الجلمة، أنه صاحب الفكرة والمخطط والمنفذ لعملية حفر النفق والفرار من السجن، كما أكد الأسير محمود أنه يتحمل كامل المسؤولية عن عملية سجن الجلبوع.
وتحدث محاجنة عن شخصية الأسير محمود عارضة، وقال إنه "إنسان غير عادي بفكره وذهنه اللامحدود. إنسان واع وذكي من الطراز الأول. مهندس ومتعلم وإنسان مثقف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يتحدث بثقة دون لعثمة. واثق من كل كلمة يلقيها".
امتلك الأسير محمود عارضة، خطة هندسية دقيقة لعملية الهروب، وكان مطلعا على جميع الارتفاعات والأبعاد والمسافات للنفق الذي قرر حفره تحت أساسات أكثر السجون الإسرائيلية تحصينا. خطط الأسير لنقطة بداية النفق ونهايته ونقطة الخروج إلى الحرية، كما روى المحامي محاجنة لـ"عرب 48".
وقال محاجنة "قد يعتقد الكثيرون أن العملية كانت عشوائية وهذا خطأ. كان لدى الأسير محمود عارضة خطة مدروسة ومرسومة منذ الخطوة الأولى لعملية الحفر، كان يملك الأبعاد التي سيحفرها، والارتفاعات، والمساحة والمسافة، أين نقاط التماس وأين نقاط الضعف، وأين ستكون نقطة الدخول وأين ستكون نقطة الخروج تحديدا، كانت الصورة لديه واضحة والخطة في غاية الدقة".
انطلقت عملية حفر النفق في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2020، واستمرت حتى قبل تحرر الأسرى من النفق بيوم واحد، أي أن عملية الحفر استمرت نحو 9 شهور، كما أوضح الأسير محمود عارضة.
ونقل المحامي محاجنة تفاصيل خطة الهروب كما رواها الأسير محمود قائلا: "قمت بالتحضير للخطة وشرعت بحفر النفق في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي وأُنجزت المهمة مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري".
وعن الأدوات التي استخدمها الأسرى في عمليات الحفر، قال محاجنة: "الكثير من الأدوات استعملت في عملية الحفر، بعيدا عن الأدوات الحادة التي لا يمكن إدخالها إلى السجن".
وأوضح محاجنة أن الأسرى استخدموا "أدوات من الخشب تم شحذها بصورة جيدة كي تتلاءم مع ظروف الحفر، بالإضافة إلى صحون وملاعق ومقالٍ، وأي أدوات صلبة كانت بحوزتهم".
وأوضح أن الأسرى "قاموا بنثر الرمال في نظام الصرف الصحي وفي حاويات القمامة".
وأضاف محاجنة على لسان عارضة "تقرر الهروب مع الأسرى الخمسة الذين لم يعرفوا تفاصيل الخطة، حيث انضم إلينا زكريا الزبيدي في اليوم الأخير لنذهب جميعا إلى جنين".
تمكن الأسرى الستة من الهروب فجر الإثنين 6 أيلول/ سبتمبر الجاري، وساروا مشيا على الأقدام حتى بلدة الناعورة، حيث كان بحوزة الأسير محمود عارضة جهاز راديو صغير وعبره تتبع تطورات الأحداث والاستنفار الأمني والعسكري الإسرائيلي بحثا عنهم.