بروفسور خالد حسني عرار

تدخر المجتمعات جل مواردها واهتمامها في بناء مشروعها التربوي وتوظف له أفضل القدرات والخبرات لبناء سياسات وخطط تربوية رشيدة في انطلاقتها من الموروث الثقافيوقراءتها للواقع ووضع تصورها للمستقبل الذي تقود له. وفي ظله بناء ابجديات خطابها التربوي الذي يعكس حضورها، وتحدياتها الانية وغاياتها المستقبلية، وتتعالى اهمية المشروع التربوي كمشروع نهضوي جمعي في حالة المجتمعات النامية، تتظافر حوله كل الجهود وتسانده كل السواعد. اما إذا ساد هذه المشروع التخبط وحمل التناقضات، ودفعته غايات مجهولة، يأتي اكله في نتاجه واجياله القادمة.

 

في المقال القصير التالي سأعرض اهم مشاهد المشروع التربوي المتعثر في قرية جلجولية، والذي ينم عن غياب سياسات وتخطيط تربوي رشيد وبعيد الامد، وتسوده حالة من التخبط. فيما يلي استعرض بعض نماذجه الأخيرة، وبدون مسايرة (ففي تربية ابناءنا لا مسايرة) والتي تعكس عمق الأزمة التربوية:

 

1. الإعلان عن اضراب عملية التعليم برمته في القرية ابتداء من 1/ 09 يتناقض مع خطاب المجلس الذي يهدف الى عودة طلاب جلجولية المسجلين في خارج القرية لأحضان مدارسها، وهو ما نسعى له جميعا. ولكن ..!!!! ماذا سيقول المجلس لأهالي الطلاب الذين استجابوا لندائه وامنوا في الأجندة التربوية التي روج لها؟ نناديهم لعودة أولادهم الى اكناف بلدهم، ثم نناديهم للالتزام بقرار اغلاق أبواب مؤسساتها عشية افتتاح العام الدراسي!!! 

 

2. تحويل مبنى مؤسسة رياض أطفال عصرية الى "مدرسة اعدادية" مؤقتة، وهي بناية أقيمت على أثر مسح احتياجات القرية لصفوف للجيل الغض، بنايةعصرية ومزودة، التعلم فيها مجاني، تليق بأطفالنا، تم تحويلها بين عشية وضحاها الى مدرسة "اعداديةلشركة عتيد"، مكونة من 3 صفوف بالكاد، وظفت لها الموارد، او أهدرت فيها الموارد في مشروع لن يتجاوز عمله أكثر من 6 شهور فعلية في ظل ازمة الكوروناوالتعلم عن بعد. كان أولى بنا فتح أبواب هذه المؤسسة لاحتضان أطفالنا في أفضل ظروف، ونقلهم من رياض أطفال خاصة، ام ان تعطيلها حمل غايات أخرى؟ وهل هذه الشريحة الجيلية أقل أهمية من غيرها؟

3. استدعاء أهالي طلاب المدرسة الجديدة لاستقبالهم في 22/ 08، عشية اختيار مدير للمدرسة، من سيقوم باستقبالهم؟ وكيف سيتم ذلك بدون مدير او طاقم؟ وأي خطاب سيقدم لهم؟ هل سيقال لهم ندعوكم الى اضرابمفتوح؟ ام سيشرح لهم كيف تحولت بناية رياض أطفال بنيت نظرا لمسح احتياجات القرية، وكيف سيتعلمون في هذه البناية العلوم التطبيقية، وهل مرافقها معدة لاستقبال مرحلة اعدادية؟

4. منذ بداية ازمة الكورونا يقبع الطلاب في بيوتهم وفاتتهم مواد تعليمية كبيرة طالت أكثر من 5 أشهر وهو ما سيقود حتما الى فجوة تعليمية غير بسيطة، في وسطنا العربي بالذات نتيجة التغيب الشامل عن المدارس، ما أرهق الاهل اقتصاديا نتيجة هذه الازمة.فتعطيل دراسة أبنائهم، عدا عن فقدان الأفق، وضياع البوصلة، وعمق الهوة التعليمة، فضلا عن ذلك، هذه الخطوة تنم عن انقطاع تام عن الحالة الاقتصادية يعيشها الاقتصاد الإسرائيلي عامة والطبقات المستضعفة خاصة، وغالبيتهم من وسطنا العربي. أفلا يعي المجلس المحلي ولجان أولياء الأمور هذه النقطة؟

5. التحضير لافتتاح العام الدراسي يبدأ في السلطات المحلية مع انتهاء العام الدراسي السابق، والمجالس المتفوقة الأكثر تخطيطا يبدأه في نهاية شهر 3، أما نحن ننتظر قبل أسبوع لافتتاح العام الدراسي لنعلن عن اضراب عام لإبعاد المدرسة الإعدادية، ونعود لمشهد شهدناه قبل عامين، مع تبادل الأدوار ولتغذية حالة الانقسام مجددا، هل نحن بصدد مسرحية "هزلية"، ألم تكف سنتين من إدارة المجلس لحل هذه الأزمة بطريقة مهنية، وغير استعباطية؟

6. إذا كانت لدينا ازمة في تعيين مديرة او مديرة لإدارة قسم المعارف، من أحد أبناء شعبنا او بلدنا، ينطق من قراءته لموروث هذا المجتمع وهذه الامة، لغته وابجدياته وسياقه، فقمنا بتعيين مديرة متقاعدة من الوسط اليهودي، تحت حجة "أمهاتنا لا تحبل ولا تلد" ولا يوجد بين ظهرانينا من يحمل الكفاءات لقيادة قسم المعارف في المجلس!! اذا، من اين لنا من يقود المدرسة "الإعدادية عتيد" أو إعدادية الرازي في حال نجح الاضراب وتنحى المدير الحالي عن مركزه؟ هل سيتم تعيين مدير بصورة عشوائية؟ أم أن هناك خطط خفية؟نطالب بالشفافية في هذا الباب!!!! وفي هذا السياق لماذا لم ينشر ويعمم المجلس المحلي وبكل بفخر خبر النداء لمناقصة تعيين مدير/ ة للمدرسة الإعدادية المزعومة؟ ليصل الخبر الى ذوي الكفاءات من ابناء مجتمعنا؟ 

7. خصخصة التعليم فوق الاعدادي تحت غطاء حل ازمة إدارة مدرسة الرازي الإعدادية، ولقد كتبت في الخصخصة شخصيا وغيري من المتخصصين ورفعت أصوات وصرخات صادقة ضد تحويل التعليم الاعدادي لإدارة شركة "يهودية"، فأيضا خطوة سلعنة التعليم ما بعد الاعدادي لم تأت بحل لازمة إدارة مدرسة الرازي الإعدادية، فهل سيتراجع المجلس عن خطوة الخصخصة؟ ام ان ورائها غايات أخرى؟ مع العلم،وليسجل التاريخ، اننا حاربنا الخصخصة سابقا، وفي هذا النضال وقف الى جانبي رئيس لجنة الإباء في حينه وأعلام من الخط السياسي الحالي، فماذا تغير منذ حينه؟ وما هي الدوافع ورواء سلعنة وخصخصة التعليم فوق الاعدادي في القرية؟ هل هي ازمة إدارة ام ازمة سياسات تربوية؟؟؟

من المؤكد ان رياض الأطفال والمدارس الابتدائية في القرية تقوم باستعداداتها لافتتاح العام الدراسي واستقبال طلابها وطالباتها ورسم البسمة على وجوههم، تماما كما يفعل التربويون من أصحاب وصاحبات الهامات التي نعتز بها، هذه المدارس تستعد مع كل الصعوبات والتحديات في ظل وباء كورونا لاستقبال أبنائنا، وابنائنا ينتظرون كغيرهم من طلاب العالم وبلهفة لافتتاح العام الدراسي لينخرطوا في مدارسهم وينطلق أولياء امورهم لكسب رزقهم، فماذا سنقول لهم؟

 

لقد ترك إدارة مدارس جلجولية ومن أبناء جلجولية 3 مديرين في العقد الأخير، وهو مؤشر مقلق، مهما تعددت الأسباب! ألم يحن الوقت لاستخلاص العبر وتحمل المسؤولية الجماعية على هذا الوضع المقلق؟ أما حان الوقت لاحتضان ذوو القدرات ودعمهم في قيادة المسيرة التعليمية؟ بل وبناء وتنمية قدرات شابة لتقود جهاز التربية ومؤسسات أخرى في القرية، كمشهد أساسي لبناء مشروع تنموي، فالبنايات لا تبني الانسان والعكس صحيح. 

 

من هنا لا بد من الإشارة ان جهاز التربية والتعليم في جلجولية يمر بأزمة في توجيهه ورسم سياساته ووضع خطة للنهوض به. والتخبطات أعلاه، وما يخفى عن عيوننا لا يبعث التفاؤل والأمل في نفوس الأجيال الشابة. لأن بناء الكوادر وتعزيز حضورها أهم وأكثر وقعا من بناء وتشييد المباني والتي لا تكفي وحدها لتطوير قريتنا.