في ليل الواحد والثلاثين من أغسطس/ آب من عام 1939، اقتحمت مجموعة من المسلحين مقر إذاعة مدينة غلايفيتس الألمانية الواقعة على الحدود البولندية، وقامت بتقييد أيادي الموظفين وقراءة رسالة مفبكرة منسوبة لثوار بولنديين محتملين. بعدها انسحب هؤلاء تاركين ورائهم جثة مواطن ألماني عاش لفترة طويلة في بولندا.
كان الهدف من وراء هذه العملية الإيحاء بأن الإذاعة تعرضت بالفعل لهجوم مسلح من قبل بولنديين. وفي الواقع كان هؤلاء عناصر من وحدة الصاعقة التابعة للجيش النازي، وقد نفذوا العملية بأمر من أدولف هتلر الذي كان يبحث عن مبرر لإعلان الحرب على البلد الجار وبدء الحرب العالمية الثانية التي استمرت لست سنوات وحصدت حياة الملايين وتشريدهم وتسببت في تدمير أوروبا. في الليلة ذاتها، تداولت وسائل الإعلام في ألمانيا النازية الخبر، بينما كان هتلر قد كشف عن خطته قبل أسبوع قائلا: "إشعال الأزمة ستعقبها بروبوغندا مناسبة. المصداقية فيها ليست مهمة، والحق هو الذي سينتصر".
وجود مبرر مهما كان هشا، أمر ضروري لشرعنة الاجتياح، فأي اعتداء لا يسبقه مبرر أمر مرفوض على الصعيد الدولي حتى في يومنا الحاضر. إرهابيو تنظيم "الدولة الإسلامية" يبررون بدورهم عمليات قتلهم للأبرياء بمبررات واهية تعتمد على تفسير سطحي وتعسفي للقرآن. وعرف التاريخ الكثير من الحروب التي استندت إلى مبررات واهية على غرار الاستعمار الفرنسي للجزائر. فخلال الثورة الفرنسية كانت فرنسا تستورد القمح من الجزائر وتتقاعس عن الدفع والديون تتراكم. وفي عام 1827، جرى نقاش حاد بين الداي (الأمير) الجزائري حسين والقنصل الفرنسي بيير دوفال. وخلال هذا النقاش لطم الداي حسين القنصل الفرنسي بمروحته على خده، في حادثة اعتبرها الملك الفرنسي شارل العاشر مبررا كافيا لاجتياح الجزائر واستعمارها لـ130 عاما.
وإلى تاريخنا المعاصر لازالت الحجج المفبركة والمبررات الواهية تلعبا دورا مهما في خوض حروب دامية طويلة، تماما كما فعل الاتحاد السوفييتي سابقا حين قام عام 1979 باجتياح أفغانستان مبررا ذلك بالاستجابة لصرخة استغاثة من الحزب الاشتراكي فيها.