خاص مجلة القدس/ تحقيق- هبة الغول
بؤس.. فقر.. حرمان .. هذه هي ملامح الحياة في مخيم شاتيلا، لاجئون ذاقوا مرَّ الحياة ولا يزالون. ويكفي للمرء أن يتجوَّل بين أزقة هذا لمخيم ليعرِفَ مدى شقاء سكانه، بسبب معاناتهم على صعيد الخدمات كافة. في حين يقابل هذه المعاناة إهمال وتقصير أو عجز مادي من قِبل المعنيين وأصحاب العلاقة كل بحسب ظروفه.
واقع مخيم شاتيلا
تُشكِّل الكثافة السكانية المشكلة الرئيسة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وإذا كان المنطق يفترض بأنه كلما زاد عدد السكان ازدادت الميزانية المخصَّصة للخدمات بكل جوانبها، فإن هذا المنطق لا يتماهى مع تقديمات الأونروا التي تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات العشر الأخيرة وخاصةً في مجالَي الصحة والتعليم، وهو ما تردُّه الأونروا لذريعة العجز في ميزانيتها. وكغيره من المخيمات، يتحمَّل شاتيلا وطأة هذه الكثافة السكانية بالاضافة الى تدفق مجموعات من الفلسطينيين النازحين من سوريا الذين وجدوا قاسمًا آخر يجمعهم مع أهلهم من فلسطينيي لبنان ألا هو البؤس مقارنةً بحياتهم الرغيدة في سوريا، إذ يقول أحدهم: "لم نتخيَّل أن بشراً يُمكن أن يعيشوا في مثل هذه الأماكن التي وصلنا إليها"، فيما يعلِّق آخر قائلاً: "الإقامة في شاتيلا تشبه حقاً إقامة أكداس البشر في جحور النمل أو قفران النحل، لكن دون التنظيم الفطري الذي تقيمه تلك الحشرات في الجحور والقفران".
الخدمات تعاني أزمات متعدّدة
مما لا شكَّ فيه أن مسألة محدودية ميزانية الأونروا في ظل الارتفاع المتَسارِع لأعداد اللاجئين أصبح يؤثِّر بشكل سلبي كبير على الخدمات الموجودة في مخيم شاتيلا، مسببًا أزمات على صعيد الكهرباء، والمياه، والتعليم، والصحة، والبُنى التحتية، إلى جانب الصحة البيئية، وغيرها.
الكهرباء
عندما تتجوَّل بناظريك داخل المخيم تدرك منذ الوهلة الأولى أنه يفتقر لرؤية سمائه الزرقاء الصافية لترى بدلاً منها سماء سوداء سببّتها الشبكة العنكبوتية المكوَّنة من أشرطة كهرباء ملتفة حول قساطل المياه. وكما حجبت هذه الشبكة السماء فقد حجبت حياة أشخاص كُثُر عن الحياة نتيجة صعقات كهربائية تحدث بين الحين والآخر.
وحول آلية عمل الكهرباء في المخيم وما تمَّ التوصل إليه لمعالجة المشكلات التي تواجهها يقول عضو اللجنة الشعبية للتحالف مسؤول لجنة صيانة كهرباء المخيم أبو وسيم: "لقد تم تركيب علب محوِّلات "ديجينترات" ووُضِعَت أقفال عليها وتمَّ تمديدها للمنازل من أجل ضبط التوصيلات ووضع حد للسرقة. ومنذُ أن تمَّ تركيبها تحسَّنت تغذية الكهرباء، واستلمَت قوى التحالف الفلسطيني إدارة مشروع الكهرباء في المخيم، وتم تشكيل لجنة صيانة، وكذلك لجنة جباية. ونحن نعمل من خلال فريق صيانة أشرف عليه وهو مؤلَّف من أربعة أشخاص، ولكننا نواجه ضغطًا كبيرًا فعندما يحين موعد توافر كهرباء الدولة نتوزع على المحطات الأربع الموجودة لتغطية احتمال وقوع أي عطل، ونبقى داخل هذه المحطات حوالي 6 ساعات متواصلة بالرغم من خطر التعرُّض للذبذبات، وذلك لأن تلبية حاجة الناس بالنسبة لنا هي من أولوياتنا".
ويضيف أبو وسيم "نحن على تواصل دائم مع شركة كهرباء لبنان وقبل ثلاث سنوات حصلنا على زيادة في محطات التغذية بتضافر جهودنا مع جهود الأوروبيين وبلدية الغبيري، وارتحنا فترة لا بأس بها، لكن حالياً وبعد الزيادة العمرانية زادت الحاجة إلى الكهرباء. فعدد السكان وصل إلى 26 ألف نسمة، وأصبحت الـ4 "ترنسات" الموجودة لا تكفي لتغذية المخيم الذي يضم 6000 وحدة سكنية تحتاج على الأقل لـ6 ترانسات".
من جهته يلفت أحد المتضررين إلى أن صيانة الكهرباء تتم حسب الطلب وعند التبليغ عن حدوث أعطال. وبعد دفع كلفة التصليح، لا تكاد تمضي فترة وجيزة ليحدث عطل جديد وتنقطع الكهرباء، ويُطلَب إليهم دفع مبلغ آخر لإعادة وصل خط الكهرباء، لتعود وتتعطل مرة أخرى وهكذا دواليك، وحول هذا تعلِّق إحدى سكان المخيم وتُدعى أم رياض قائلةً: "تجار الكهرباء بيبيعوا كهربتنا وبمدوها لناس برا المخيم"، وتختصر الجدال حول سبب المشكلة بجملتين "لا حسيب ولا رقيب، والحامي حرامي"، في حين تقول شادية- إحدى ربات البيوت- "بياخدو الكهربا تاعتك وبيبيعوك ياها وياريت بتيجي.. وإزا إجت بتكون خفيفة والدليل أنو برمة الغسيل بضل من الفجر إلى النجر".
أمَّا مسؤول حركة "فتح" في شعبة شاتيلا كاظم حسن فيشرح حيثيات الأزمة قائلاً: "قبل ٥ سنوات كان هناك مشروع لخصخصة الكهرباء من قِبَل فصيل في المخيم، ولكن جهودنا تضافرت لتصويب الأمور لصالح الأهالي. وقد عملتُ في مشروع الكهرباء لعدة أشهر وخلال هذه الفترة استقر وضع الكهرباء، وبعدها طلبتُ إلى اللجنة الشعبية لـ"م.ت.ف" تسلُّم المشروع ومتابعته ولكنَّها رفضَت، إلى أن استلمت أخيرًا اللجنة الشعبية للتحالف مشروع الكهرباء. ولكن في حقيقة الأمر نحن نفتقر إلى وجود قرار سياسي بتوحيد اللجان الشعبية، أو حتى على الأقل تشكيل لجنة خدمات مشتركة تُشرِف على مشروع الكهرباء مثلاً، وتراقبه وتوجِّهه في صالح سكان المخيم وتحميه من السرقات والمافيات. وقد سبقَ أن طُرِحت هذه الفكرة وحدَّدنا أعضاءها وحددنا موعدًا لاجتماع الأعضاء ولكن الاجتماع لم يُعقد".
ويردف حسن "بصراحة تكثُر الآن التجاوزات داخل المخيم فمثلاً على سبيل المثال خلال الفترة التي توليتُ فيها مشروع الكهرباء كان يُخصَّص حوالي ٤ آلاف لتر مازوت تُسلَّم إلى لجنة التحالف لتتمكَّن الأخيرة من تشغيل مولِّد كهرباء يؤمِّن حصول الأهالي على المياه خلال فترة انقطاع الكهرباء، ولكنني لاحظت أن المولد لم يُشغّل أو يستعمِل أبدًا لترًا واحدًا من المازوت في مجاله المخصَّص له، ويضاف هذا الموضوع إلى العديد من إشارات الاستفهام حول تعاطي اللجنة مع مسؤولياتها، ونحن نرفع التقارير بشكل دائم لقيادتنا على مختلف المستويات حول إدارة الخدمات، والتجاوزات الموثَّقة بأسماء الأفراد الذين يستغلون صلاحياتهم، وهم متورطون مع الأونروا".
المياه
لم تعد الآبار الارتوازية تكفي حاجات السكان، إذ كان المخيم سابقاً يتغذى من ست آبار تم وضع اليد عليها ومصادرة معظمها من قِبلَ الجوار بحكم وجودها خارج حدود المخيم.
أمَّا على صعيد مياه الشفة، فالجدير بالذكر أن اتفاقًا كان قد جرى في الخمسينيات من القرن الماضي بين الأونروا وشركة مياه بيروت، بحيثُ نصَّ على تأمين 60 م3 من مياه الشفة، ولكن وبفعل التعديات على هذا الخط من الجوار، أصبح لا يصل منه للمخيم إلا القليل، وحتى أن ما يصل يتم سحبه بالمولّدات من قبل فئات قليلة من سكان المخيم. ونتيجة لعدم توفّر مياه الشفة، كثرت المحال التجارية لتكرير المياه، في ظل غياب الرقابة الصحية عليها.
وحول واقع المياه هذا يوضح حسن "يوجد في المخيم ٥ آبار إرتوازية، تم تفعيل اثنتين منها عبر توصيل شبكة تـمُد قسمًا من المخيم بالمياه، وبالمقابل تُجمع اشتراكات من المستفيدين، لكن للأسف لا توجد شفافية فيما يتعلَّق بجباية الاشتراكات من قِبَل اللجنة الشعبية التابعة للتحالف. وبالنسبة للآبار الثلاث المتبقية، فقد خُصِّصت لمشروع الأونروا الهادف إلى تزويد المنازل بمياه الشفة، علمًا أنه في بداية عملية الحفر، تمَّ العثور على مياه حلوة، ولكن عند الوصول إلى عمق ٤٩٠م صُدِمنا بوجود حاجز كبريتي يلوِّث المياه، مما أدى إلى توقف المشروع. ولكن إصرارنا على توصيل المياه الحلوة إلى المنازل أثمر بتأمين تمويل سويسري يُكمِل ما بدأه الايطاليون بالتعاقد مع الأونروا، ويمكِّننا من تزويد مشروع الأونروا السابق بمحطة تحلية للمياه تؤمّن حوالي 1000م3 من المياه المحلَّاة كل ٢٤ ساعة. ونعمل على تأمين مستلزمات المشروع كافة من مولّدين للكهرباء؛ الأول قوته 150 KVA والثاني قوته 350 KVA. وقد نسَّقنا مع البلدية لتزويدنا بترانس كهرباء يُخصَّص حصرًا للبئر بكلفة ما يوازي ٥٠ ألف دولار، على أن يكون المشروع بأكمله تحت إشراف الأونروا لمدة سنتين وبعدها يُسلّم للجان الشعبية لمتابعته".
شبكة الصرف الصحي
يُلاحَظ أن قسمًا كبيرًا من شوارع وممرات المخيم يحتاج إلى تعبيد وذلك بسبب انتشار الحفر، وعدم تساوي منسوب الأزقة مما يجعل المياه الآسنة تتجمَّع فيها كالمستنقعات، وبالتالي تصبح مصدرًا هامًا للتلوث. وفي الوقت ذاته، فمنذ تأسيس المخيم لم يتم إجراء أيَّة تغيـيرات جذرية على شبكة الصرف الصحي الخاصة به، باستثناء تغـيـير بعض الأنابيب و"القساطل" وبناء "الريكارات" وتركيب أغطية لها من قبل الأونروا بالإضافة إلى العمل اليومي الذي يقوم به عمال الأونروا لجهة تسليك وتنظيف "الريكارات" والأنابيب المسدودة. وإن كان هذا العام لم يشهد تعرُّض شوارع شاتيلا لـ"طوفان" مياه الأمطار، بحسب ماقال حسن، فإن المشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الشبكة لم تعد قادرة على استيعاب المياه المبتذلة بفعل حجم وضغط التزايد السكاني، ما يُسبب انسدادًا دائمًا في الشبكة، ويؤدي لانبعاث الروائح الكريهة علاوة على الأمراض التي قد يؤدي لانتشارها.
الصحة
لا شكَّ أن الواقع الصحي للفلسطينيين في شاتيلا يعُدُّ في حالة سيئة جدًا. فمستوصف الهلال الأحمر الفلسطيني يخلو من الأدوية خلا التي يتم الحصول عليها من قِبَل المتبرعين، في وقت لا يعمل فيه المختبر منذُ فترة طويلة على الرغم من وجود الأجهزة.
أمَّا بالنسبة للأونروا، فلا يوجد في المخيم سوى عيادة واحدة تستقبِل أكثر من 100 مريض يوميًا، في حين أجمع الأهالي على وجود تراجع ملحوظ في الخدمات الصحية الملحّة التي توفّرها الأونروا.
كذلك فالأونروا لا تستقبِل الحالات الطارئة بحجة نقص المعدّات، ويتم إعطاء المصابين بالأمراض المزمنة دواءهم الشهري بنوعية محدودة، هذا إن لم يُصف لهم دواء آخر ليشتروه على نفقتهم الخاصة. وترد الأونروا هذا التقصير إلى أن زيادة عدد موظفي الصحة ورفع سقف التمويل المخصّص لهذا القطاع ما زالا لا يتماشيان مع وتيرة التزايد السكاني للفلسطينيين.
وبالنتيجة فإن المخيم يفتقر إلى مركز طبي مجهّز من أشعة ومختبر وعيادات واختصاصيين، وإلى دوام منظّم بحيث يكون على مدار اليوم صباحًا ومساءً.
الواقع التعليمي
أمَّا عن أوضاع التربية والتعليم فحدِّث ولا حرج. إذ إن عدد المدارس التابعة للأونروا في شاتيلا لا يتناسب مع عدد الطلاب الموجودين في المخيم، مما جعل الطلاب يتكدَّسون في الصفوف في مدارس لا توفِّر الحد الأدنى من متطلبات ومستلزمات التعليم، في حين أن عدد الصفوف والمعلمين والتجهيزات المدرسية في انخفاض مستمر، الأمر الذي أدى لارتفاع معدَّل المتسربين من المدارس وتراجع المستوى العلمي للطلاب.
الصحة البيئية
تنتشرُ الجرذان بصورة مرعبة في أزقة المخيم وداخل المنازل والمحلات الغذائية، لدرجة أن الجرذ أصبح لا يكترث إن اقتربتَ منه بل ويتجوّل بطمأنينة، وكأنه بات الحيوان الأليف للمخيم، وذلك بسبب كثرة النفايات وتراكمها بين البيوت وفي الأزقة الضيقة التي تحوَّلت إلى مرتع لـلقوارض والحشرات، بالإضافة لمصادر التلوث المحيطة بالمخيم و أبرزها مكبات النفايات والأبنية المدمّرة .
ويضاف إلى ذلك مسألة "تلوث الضجيج" الذي يعانيه المخيم، بسبب ظاهرة الاكتظاظ السكاني وضيق المساحات وتلاصق البيوت مما يجعل أدنى صوت منبعث عن مذياع أو تلفاز مسببًا لحالة من التوتر النفسي الذي ينقلب في كثير من الأحيان إلى مشاجرات عنيفة بين السكان وحتى بين الأسرة الواحدة.
وعلاوة على الإزعاج الذي يَشعر به الكبار، فإن فئتي الشباب والأطفال اللاجئين تعاني بدورها جرَّاء عدم توفر ملاعـب وساحات ليمارسوا اللعب والرياضة فيها، ما يضطّرهم للجوء للشوارع التي تُعد مصدرًا رئيسًا للأخطار، هذا إضافةً إلى عدم وجود أشجار أو مساحات خضراء داخل المخيم ما يحرم هذا المخيم أي مصدر للهواء النقي، في ظل الرطوبة وغياب التهوئة التي يعانيها.
خلاصة
مما تبَّين فإن المخيم يعاني عددًا من المشكلات التي تبدأ بوجود لجنتين شعبيتين دورهما ضعيف بسبب غياب القرار الموحَّد في مواجهة أبرز مشاكل المخيم، وذلك بالتزامن مع تهرُّب الأونروا من مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني بحجة عدم تناسب تمويل الدول المانحة مع تزايد عدد السكان من جهة، وعدم التزام الدولة اللبنانية بالنصوص القانونية الدولية التي تطالبها بأخذ دورها في توفير حياة كريمة للاجئين لحين عودتهم إلى وطنهم من جهة ثانية، إلى جانب غياب لجنة أمنية تعمل على صون أمنه وحمايته من التعديات الداخلية، أو الحاصلة في محيطه.
وحول هذا الواقع يقول حسن "لا يخفى أن اللجنة الشعبية لمنظَّمة التحرير الفلسطينية تفتقر إلى الكفاءات والقدرة على متابعة الأمور، وذلك بسبب التضييق والحصار المالي الذي تعانيه السلطة، مما يجعل إمكانياتنا محدودة، وفي الوقت نفسه فنحن لسنا المسؤولين عن جبايات المستحقات من أهالي المخيم".
أمَّا عما يمكن أن تتضمّنه الحلول فيقول: "علينا كحركة "فتح" أن نُشكِّل لجنة أمنية فاعلة تأخذ دورها كاملاً في مساءلة المخطئين. فتحاسب الناس باسم الناس، وتؤمن حماية للأهالي، وتستمدُّ قوتها منهم لأنهم بالتأكيد سيلتفون حولها حين تدافع عن حقوقهم المسلوبة".
ويختم حسن كلامه بالقول: "يجب علينا أن نحاسب الأونروا بالأجندة المطلوبة منها التي وجدت بناءً عليها كونها وكالة غوث وتوظيف اللاجئين الفلسطينيين".