أيام وتبدأ الثورة السورية عامها الخامس منذ خروجها الأول من مسجد آمنة 15 مارس 2011, فقد المسجد مئذنته وبدا أن الرحيل هو أقل ما يمكن أن يتحقق بعد ممارسات تفضي بالنظام السوري إلى المحكمة الدولية.
ما لبثت الثورة السورية طويلًا حتى واجهها نظام بشار الأسد بأساليب كالقصف بالبراميل المتفجرة، وغاز الكيماوي، والإعدام رميًّا بالرصاص في ساحات عامة، والقصف بالطائرات حتى قام باستبدال سكان سوريا بالشبيحة مكافأة على خدماتهم الدموية؛ ليعيش السوريون أكبر تغريبة في التاريخ الحديث بالبلدان العربية والدول الأوروبية عبر قوارب الموت.
كل يوم في سوريا يموت 87 شهيدًا حسب قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية، فقد بلغ عدد الشهداء – الموثقين فقط- منذ مارس 2011 حتى أول مارس 2015 (125131) شهيدًا، منهم (111465) ذكرًا، و(13666) أنثى، كان عدد الأطفال بينهما (14047), وتم فصل الشهداء بين مدني وعسكري منشق غير موالي للنظام، والذين بلغ عددهم (27588)، وحسب محافظة الاستشهادسقط أكثر الشهداء في ريف دمشق وحلب وحمص وإدلب ودرعا.
وجمعت قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية أشكال عنف استخدمه النظام ضد السوريين، والذي أفضى إلى وفاة أكثر من 125 ألف سوري, فبلغت المجازر في إحصائيات المجازر الجماعية المئات لتلك العمليات التي استشهد فيها أكثر من 10 شهداء, وإحصاء حسب طريقة الاستشهاد بين وفاة 47 ألفًا بطلق ناري، و39 آخرين بسبب القصف، و8 آلاف بقصف الطيران, و7 آلاف تحت التعذيب، و5 آلاف برصاص القناص، وألفي شهيد جراء التفجيرات، و1500 بالغازات الكيماوية. واستخدم النظام الذبح والحرق والصواريخ بعيدة المدى وقصف طيران التحالف الدولي مع عشرات من الأساليب التي تفاداها السكان بالنزوح من قرى القصف، ليموت منهم مئات بسبب البرد القارس، وصعوبة الوصول إلى العلاج، ونقص المواد الغذائية.
لا تتجاوز نسبة القتلى من النساء في الحروب النظامية حاجز 2% لكن في الثورة السورية بلغت نسبة الضحايا من النساء 11% بعدد 137 ألف شهيدة، بمعدل 12 امرأة يوميًّا بينهن 3614 طفلة قتلن على يد قوات النظام رميًا بالرصاص، وذبحًا بالسكين، وتحت التعذيب في مراكز الاعتقال، وجراء القصف اليومي بالبراميل المتفجرة وصواريخ سكود، في حين قتلت الفصائل المسلحة التابعة للقاعدة 42 سيدة، وقتلت بعض كتائب المعارضة 25 امرأة أثناء اشتباكها مع قوات النظام, كما تشير إحصائيات المرصد السوري لاعتقال أكثر من 7 آلاف امرأة من قبل القوات الحكومية، 500 منهن تحت سن الثامنة عشرة، ومنهن تحت الاختفاء القسري.
وبحسب المرصد السوري اعتقلت القوات الحكومية آلاف النساء دون توجيه تهم محددة لهن، كما كان اعتقال كثير منهن هدفه الضغط على أقربائهن من النشطاء الميدانيين لتسليم أنفسهم, وقد تورطت القوات الحكومية في المئات من حوادث الاغتصاب بعدة محافظات سورية، منها حمص وريف دمشق واللاذقية وبانياس وحماة, وتشير الشهادات إلى تعرض 7500 امرأة لعمليات عنف جنسي، بينهن 400 حالة لصغيرات دون سن الـ 18, كما تركت الثورة السورية 29 ألف أرملة، و14275 طفلًا شهيدًا، كما أن هناك نساء فقدن أبناءهن وأزواجهن معًا.
أجبر بعض نشطاء الثورة الأوائل على ترك سوريا بعدما وضعهم النظام على قائمة المطلوبين, فشكلوا طوائف في أحياء الدول الأوروبية لتكون أشبه بقطعة من دمشق، ومع أنهم ما زالوا ضد النظام السوري أصبحوا ضد المعارضة بأساليبها العنيفة.
منذ بدء الثورة قررت السلطة خوض الحرب إلى النهاية، وعدم السماح للشعب بأن يملأ الساحات، فما كان لديه سوى استخدام العنف وحتى القتل, لكن ظل السوريون متمسكين بالعمل السلمي، وبقيت مظاهرات يوم الجمعة تخرج حتى بداية 2013, ما لبثت طويلًا حتى انسحبت الثورة السلمية من الساحات وتسلمتها تلك المسلحة تقودها كتائب ومجموعات أصولية، حولت الصراع من شعب ضد سلطة إلى صراع طائفي مع سيطرة مسلحين من جنسيات غير سورية على المشهد, صاحب ذلك عنف مسلح من “المعارضين”؛ فشاركوا في جرائم وأطلقوا خطابات طائفية صبت في مصلحة النظام بالمقام الأول.
لم يعد لمفاهيم كالحرية والديمقراطية صدى بساحات سوريا، خاصة بعدما ابتعد جزء كبير من السوريين عن كنف الثورة بعد تكرار مشاهد الدماء، وكان للمعارضة دور سلبي أضعف الثورة وساهم في طريق عسكرة سوريا, فغياب الأحزاب المرتبطة بالشعب جعل الثورة عفوية دون برنامج أو بدائل, بل إن كثيرًا من منسوبي التيارات التي كانت تطالب قبلًا بالتغيير رأوا ضرورة تجاوز ثورة الشعب، والقبول بمسار إصلاحي مستقر مع النظام الحالي، وأيد رؤيتهم منظرون معادون للثورة ومؤيدون للثورة المضادة، ومن بقي من الثورة علق بقضايا فساد مالي مثل حكومة أحمد طعمة لتسيير الأعمال وغيرها.
العنف والفوضى فتحا الباب لتدخل أطراف إقليمية ودولية من أجل دعم السلطة، مثل إيران وروسيا والصين, فقاموا بتشويه الثورة، وتحريض السلطة لاستخدام مزيد من العنف ومزيد من التباطؤ في الوصول لحل.
(نظام الخميني في إيران، نوري المالكي في العراق, روسيا، الصين، تركيا, حزب الله, كتائب أبي الفضل العباس، الشيعية العراقية، جماعة الحوثي في اليمن، شيعة من باكستان وأفغانستان، وغيرهم), فرق جمعها الخوف من سقوط نظام بشار الأسد وتهديد مصالحها، فساعدته بقوى عسكرية مستجلبة من إيران والعراق ولبنان يقابل بها قوة الشعب التي أجهدته.
باتت تسيطر الصراعات الإقليمية على قوى الائتلاف المساند لدولة بشار الأسد، حتى تمحور حولها الحراك السياسي داخل المعارضة في سياق النشاط الروسي للوصول إلى حل “والذي لم يتضمن أبدًا رحيل بشار”، بل إنه بدأ بالتفاوض مع النظام والأخذ برأيه لوضع حلول, فارتكز النشاط الروسي حيال الأزمة على تطلع ساسة روسيا للقيام بدور الوسيط والساعي لتقريب وجهات النظر بحيثيات تحرك تميل إلى طرف النظام، وتحاول إعادة تأهيله وتقديمه كنظام إصلاحي، حيث تسعى روسيا لإيجاد فرصة لتمكين حضورها الدولي بعد أزمتها في أوكرانيا.
في الوقت الذي تستخدم فيه إيران سوريا ورقة تفاوض في حل قضيتها النووية, تتذبذب مواقف الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت في بقاء النظام السوري أرضية لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا, فقد أصبح داعش بشكل موضوعي سند النظام الذي يظهر كمحارب للإرهاب القاتل لشعبه.