بقلم النائب مسعود غنايم – القائمة المشتركة
المُفكّر الجزائري مالك بن نبي ابتدع اصطلاحاً مهماً في محاولته لتحليل أسباب الانحدار الحضاري والحالة الهزائميّة التي حلّت بالعالم العربي والاسلامي, وهذا المصطلح هو القابليّة للاستعمار. وقد انطلق بن نبي في فهمه لحركة التاريخ والتحولات الحضارية بين انحدار الشرق وصعود الغرب من المعادلة الخلدونيّة والتي تعتمد التفسير الاجتماعي للتاريخ. ووفقاً لهذه المعادلة وهذا المصطلح فإنّ أي استعمار او استقواء خارجي ما كان لينجح وينتصر لولا عوامل الضعف الداخليّة وتضعضع قوة المناعة الداخلية للشعوب العربيّة والاسلاميّة.
إنّ النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني عام 1948 كانت أبعد زمناً من عام 1948 وأوسع جغرافيّةً من فلسطين فهي نكبة كل العالم العربي بل والإسلامي, فما جرى في فلسطين كان نتيجة وكان تتويج قاسي ومرير لصيرورة انحدار وانهيار عاشها العالم العربي والاسلامي على مدى قرون.
إنّ عوامل الضعف الداخليّة التي عاشتها المجتمعات العربيّة والمجتمع الفلسطيني جعلها جاهزة للتهاوي أمام عوامل القوّة الخارجيّة المتمثلة بالحركة الصهيونيّة وقوى الاستعمار التي ساندتها, وفيروسات الضعف الداخلي تعمل كالفيروسات المسببة للأمراض في الجسم والتي تستغل ضعف جهاز المناعة للفتك بالأعضاء الداخليّة الحيوية لحياة هذا الجسم. لقد كان الشعب الفلسطيني في تلك الفترة ما زال يأن تحت نير الاستعمار الانجليزي الذي قمع ثورة عام 1936 والتي حسب رأي الكثيرين كانت حرب استقلال فلسطينيّة تصدّت لها بريطانيا بكل قوّة واستطاعت قمعها, مما مهّد الطريق لإقامة دولة اسرائيل وانتصار المنظمات الصهيونيّة.
إنّ القابليّة للاستعمار التي عاشتها الشعوب العربيّة والشعب الفلسطيني تمثّلت بحالة التشرذم والانقسام على شتّى الأسس عائليّة قبليّة مصلحيّة طائفية وغيرها, وهذا التشرذم تجلى بالعقليّة الفصائليّة التي قسّمت المجتمع الفلسطيني الى جماعات متناحرة يكيد بعضها بعضاّ لدرجة الاستعداد للتعاون مع العدو المتربص بالجميع.
اليوم وفي ذكرى ال70 للنكبة يجب أن نتذكر بأننا ما زلنا نكافح ونواجه النكبة التي منهم وكذلك النكبة التي منّا وفينا, والنكبة التي فينا ما زالت تُضعف حصانتنا الذاتيّة ومَناعتنا الداخليّة وتُعيق كفاحنا للخروج من نفق النكبة التي منهم ومن صناعتها المتجددة, وعلى رأس هذه النكبات إن صحّ التعبير أو عوامل الضعف الداخليّة استشراء جاهليّة العنف والجريمة في مجتمعنا, هذه الجاهليّة أصبحت متوحشة أكثر وأخذت تهدد وحدة مجتمعنا ووجوده.
لا مناص ولا خيار أمامنا من هذه المواجهة المزدوجة وهذا الكفاح على الجبهتين؛ جبهة النكبة التي منهم والتي ما زلنا نعيشها على شكل استمرار مصادرة الارض وهدم البيوت ومصادرة حقوقنا وشرعيّة وجودنا, وجبهة النكبة التي فينا. لا مجال للقول دعكم من كل شيء وانشغلوا بعوامل الضعف والنكبات التي فينا لأن كل منهما مرتبط بالآخر, ومن انتصر بسبب النكبة التي فينا هو صاحب المصلحة باستمرارها وتعميقها حتى يحقق الاستدامة لانتصاره ولاستمرار هزيمتنا.