يجب ترسيخ اللحمة ألوطنية ألأهلية وتقوية جدارها، لأنه من أشد ألأمور خطرا على وحدة هذا ألبلد وأهله وأكثرها تهديدا لكيانه أن يكون من بين صفوفه من يتعصب لجهة أو عرق أو عائلة، مما يؤدي إلى نشر ألضغينة التي تقضي على روح ألتناغم والإنسجام داخل ألمجتمع، كما تبعث على ألخلاف الذي يؤدي في كثير من ألأحيان الى شق ألصفوف وعرقلة ألبناء، وذلك ما يجب أن نحول دونه ونقطع ألسبيل إليه بنشر ألوعي وثقافة ألتلاحم والتوحد عن طريق إستمرار ألحوار ألمخلص والحربص على وحدة هذا ألبلد.
إن الإعداد لبناء مجتمع متوازن له جذورا حضارية وقدرة على مواجهة المستقبل بفرض العناية بالأساسيات الذي يقوم عليها هذا البناء ، ولا شك أن مرحلة الشباب تشكل هذا الأساس الداعم لبناء المجتمع ، والذي أصبحت المعرفة العلمية محكا رئيسيا يحدد معايير تقدمه وتخلفه في ظل التغيرات العالمية الحديثة ، ومن الأمور الثابتة أن ألسعي والإسهام في تنمية شخصية متكاملة و القدرات الفكرية للشباب ، فتلك الشخصية هي التي تتعدد اهتماماتها و كفاءتها وتعرف كيف توازن بين متطلبات المعرفة وبين الحاجة إليها ، كما تستفيد من مواهب الشباب بما يعود عليهم تتميز حياة الإنسان بالتغير والتبدل المستمرين، و كذا لا تخلو حياة كيفما كانت من بعض المشاكل والمعيقات، إلا أن هذه الأخيرة تختلف درجتها من فرد لآخر، حسب الظروف والبيئة التي يحيا و يترعرع فيها الشخص.
ذلك إن دل على شيئا إنما يدل على الاختبار المبرمج للإنسان في هذا الكون، حيث يأتي الدهر بالحلو المحبوب و المر المكروه، و ما على الإنسان إلا أن يحي هذه الحياة احلاء و إمرارا، و أن لا يستسلم لصعوباتها و معيقاتها ببساطة، وأن يجدد نفسه باستمرار و يوفر ما أمكن من طاقة حتى يتسنى له المقاومة و الاستمرار، والطاقة التي يستوجب ادخارها هنا هي الإرادة القوية و العزيمة الفذة و الرغبة الحية، والفطنة الجلية، والنباهة العقلية، على هذا المنوال يستطيع الكائن البشري أن يحي هذه الحياة المبرمجة له بكل ما تنضوي عليه من تعقيدات ومشاكل و صعوبات، فالكائن الناجح دائما هو ذلك الطموح و المقاوم، الذي لا يرضخ لما قد يعتري طريقه من مسالك وعرة مليئة بالأشواك، و يشوبها الضيق أحيانا، لكن رغم ذلك يبقى ضيق القلوب و قصر الطموح أخطر و أكثر الأسباب هلاكا من ضيق المسالك و الطرق، حيث قد يستعص العلاج، و يقف الطبيب المداوي حائرا أمام ما يصطلح عليه مرض القلوب، فلا يجد الوصفة المناسبة لعلاجها، فيصبح الشفاء رهين بإرادة المريض بالدرجة الأولى، و كذا بالتشخيص المناسب و الوصفة الفعالة من طرف الطبيب.
فالمرض الحقيقي والوباء المحض الذي انتشر في مجتمعنا بشكل مفرط، هو داء القلوب، ليس ذلك الداء الجسدي والمادي الصرف، بل ذاك الذي يجعل القلوب ميتة، و الإرادة منعدمة و العزيمة مندثرة، قد تحظر الإرادة و تنبثق العزيمة، لكن أي إرادة و أي عزيمة؟
باتت الرغبة المادية الأكثر هيمنة في مجتمع يجعلنا نخاله أحيانا تنعدم منه المعنويات و المبادئ، فيصبح عرضة أكثر للإفلاس الحضاري و الفقر الفكري، في الحين الذي يعد فيه الفكر و العلم، القلب النابض الذي يمد كل أمة بما ينقصها من أسباب التطور و الرقي، فانتكاس الإرادة والرغبة في السير إلى الأمام والرقي، و تراجع الاهتمام بطلب المعرفة والعلم، يجعل المجتمع عرضة للتدهور و التراجع المستمرين، كما يضاعف حدة تخلفه، فيصبح المرشح الأول للاضمحلال الفكري والتدهور الحضاري و المعرفي، فبالعلم و المعرفة استطاعت شعوب و أمم أن تصل إلى قمة التطور، حيث شيدت حضارات عظمى منقطعة النظير، ذلك رغم وجود معيقات و تحديات، لكن بتوفر أفرادها على الرغبة في الانتشال من دروب التخلف، و مهاوي الجهل، و من بلوغ ما لم يكن مرتقب. لقد آن الأوان أو ربما قد يفوت لنستفيق نحن أيضا من سباتنا العميق، فإلى متى نظل أمة تابعة و مجتمع ذا اقتصاد ريعي، يستهلك أكثر، في المقابل لا ينتج إلا النذر، إلى متى سنستقل فكريا؟.
و أسفاه لزمن بات فيه العالم جاهلا، أصبح الحظ للغني الجاهل الذي يملك فاحش الثراء، بينما الفقير ماديا و الغني فكريا، يظل وصمة عار و عالة، ذلك يعزى إلى التهميش الفكري والعلمي، في وسط يجهل قيمة المعرفة، و يعلي من قيمة المادة..وعلى المجتمع بالنفع من النواحي الفكرية ، الثقافية ، المعرفية و العلمية ، وبصفة أدق التنموية .
ختاما فإني أنظر الى جانب مهم ودور خفي قد يغفله ألكثير وهو دورهم ألحضاري في تنمية ألثقافة، ولا ننسى جميعا أننا نعيش وسط مجتمع واعي ومثقف وطموح، كما أن مجتمعنا مجتمع ممحص وناقد من ألطراز ألممتاز.
ختاما ورغم إيماني ألكبير بأن ما يقال ربما يحدث، فنحن أمة مسلمة، كما اننا أمة خير وحق.
أخوكم وإبن بلدكم ألوفي الذي عاش بعيدا عن هذا البلد ولكنّه فما زال يشعر بهمومكم ، فهمكم همه وكما قال رسولنا الكريم عليه صلوات الله وسلامه" ألخير في وفي أمتي الى يوم ألقيامة" صدق رسول الله.
د فؤاد شملة - ألمانيا