اعلان دراماتيكيّ ، واصطفاف جديد ، صدر من الرياض هذه الايام ، عن تحالف اسلامي " ضد الارهاب "، يضمّ 34 دولةً عربيةً واسلاميةً ، لا تشمل ايران ولبنان والجزائر وعُمان. التوقيت، والشكل ، والعضويَّة ، كلُّها تؤكد ان الامر ابعد من ظاهر الاعلان ، وأنَّ من ورائه إعادة صياغة للمنطقة. ومحاولة ردعٍ للاندفاع الرُّوسيّ ، الطَّامع بالتوسُّع في المنطقة العربيَّة. الامر ملفت للغاية ، ونودُّ ان نسجِّل ضمن قراءتنا له عدَّة ملاحظات مهمَّة.
1- يعتبر هذا التحالف الَّدوليُّ الاسلاميُّ ، الاوَّل من نوعه بهذا الحجم الكبير بعد سقوط الدَّولة العثمانيَّة ، واتفاقية سايكس بيكو التي قسَّمت العالم العربيّ والاسلاميّ.
2- يأتي هذا التحالف ضمن محور الدُّول المتحالفة مع أمريكا ، ولا يشمل ايران " الشيعية " ولا الدول الواقعة تحت تأثيرها.
3- تعتبر تركيَّا ، السعودية ، قطر وباكستان أوّل ركائز هذا التحالف . وهو مُتأثِّر جدّاً من الأزمة التركيّة الرّؤسيّة ، وكأنّها رسالة قويّة لروسيا ،لا تظنّوا انَّ تركيا وحدها . بل إنَّ خسارتكم لتركيا معناها خسارةٌ لكلِّ دول التَّحالف الإسلامي.
4- لا يتمّ هذا التَّحالف دون التنسيق مع امريكا ، التي انكمشت من منطقة الشَّرق الأوسط . وهي بذلك تريد التعويض عن دورها من خلال دور إسلامي حليف ، ومتوافق عليه.
5-هذا التحالف لم يكن ليلقى مشروعيته الّا ضدّ " الارهاب " الحقيقي او المَزعوم. فلا ضدّ روسيا ، ولا امريكا ، ولا اسرائيل يمكن للعرب والمسلمين ان يجتمعوا ، لأنّهم لا يملكون قرارهم المستقلّ لإقامته.
6- اسرائيل قد تجد نفسها في نفس فلك هذا التحالف ،لِأنَّ امريكا ستكون هنالك من وراء الكواليس ، في محاولة تحجيمٍ للدّور الرّوسي الايرانيّ ، ومن هنا قد تُفهم اللهجة التركية الجديدة تجاة اسرائيل.
7- تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة " داعش " هو اللغز الاكبر الذي بسببه ، او تحت ذريعة محاربته ، أُقيم التَّحالف الغربي بقيادة أمريكا ، وبسببه دخلت روسيا الى سوريا ، وتوتَّرت العلاقات التُّركيَّة الروسيَّة ، وأُقيم التَّحالف الإسلامي الجديد ، وقد ينتج عن ذلك نظام عالميٍّ جديدٍ ، يشمل اقامة دولةٍ سنيَّةٍ في المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم في العراق والشَّام ( كما نصح بذلك جون بولتون السفير الامريكي الأسبق ) ، وقد يتحوَّل هذا التَّحالف الى محارب بالوكالة ضدَّ روسيا وايران ، يغني عن التّدخل الامريكيّ الغربيّ المباشر.
وهذه كلُّها معالم نظام عالميٍّ جديدٍ ..... ذريعته محاربة " الارهاب " .
مولد الحبيب..... ميلاد أُمّة
في ظلِّ هذه التَّطورات الكبيرة ، تطلُّ على الأُمَّة الإسلاميَّة ، ذكرى عزيزة غالية ، ألا وهي ذكرى مولد المصطفى المختار،رسول الله وخاتم انبيائه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم . ولقد سبق ميلاده ان انقسم العالم الى معسكرين شرقيّ بقيادة الفرس، وغربيّ بقيادة الرّوم . ثم كانت دعوة المصطفى عليه السلام ، ورسالته الجامعة والتي جاءت رحمةً للعالمين ، ثُمَّ دولته الرَّشيدة ، والتي توسَّعت في عهد الخلفاء الرَّاشدين ، فقضت نهائياً على دولة الفرس ، وأصبحت الندّ الابرز لدولة الرّوم . بل تصدَّرت كلّ الكيانات والامبراطوريات في العالم لِما يزيد عن 12 قرناً من الزمان.
العالم اليوم استدار دورته ، والعالم الاسلامي ما يزال يبحث عن مكانه تحت الشَّمس، ويحاول الخروج من تحت عباءات الغرب والشرق ليقيم كيانه الحُرّ المستقل القويّ . فهل سيفُلح في ذلك؟ أم انَّ سنَّة التبديل ستسبق التمكين لكلِّ اصحاب المشاريع الإسلاميَّة المعاصرة.
يبدو لي أنَّ تركيا والسعودية وقطر بالاساس، سيسعون في المستقبل القريب، للاحتواء المزدوج للمتناقضات الكُبرى في المنطقة . ما بين احتواء الاخوان المسلمين وسُلطات الإنقلاب في مصر. ما بين الفلسطينيين واسرائيل.
ما بين انظمةٍ قمعيّة وقوى ثوريَّة .....لأنّ الخطر الخارجي اكبر من الإنشغال في القضايا الدَّاخلية.
لكم الله أًيُّها المستضعفون
مرَّة تلو مرَّة ، سينشغل العالم عن نصرة المظلومن ، وعندما يلعب الكبار في الملعب الدَّوليّ الضخم ، فإنَّ الصِّغار يتحوَّلون في حساباتهم كحجارة شطرنج ليس إلّا. مرَّةً أُخرى ، سيقول العالم الإسلاميّ ، وسيقول الغرب والشَّرق للفلسطينيين وللسوريين ولليبيين وللروهينغيا وغيرهم من المستضعفين في الارض : نحن مشغولون عنكم في القضايا الضَّخمة ، فلا تعوِّلوا علينا كثيراً ، ريثما نعيد ترتيب اوراق النِّظام العالميّ الذي تتمُّ صياغته في هذه الفترة .
ولذلك فانَّ تضحيات الفلسطينيين ، وصمود الإخوان في مصر،وجهود رفض حظر الحركة الاسلاميَّة الشَّماليَّة في داخلنا الفلسطينيّ ، والمعارضة السُّوريَّة " المعتدلة " ومَن على شاكلتهم سيتأثَّرون بشكلٍ مباشرٍ من الصياغة الجديدة التي تجري لعالمنا عموماً ، ولشرقِنا الاوسط خصوصاً. وما لنا غير الله ناصرٌ ومعين ...... فحسبنا الله ، هو مولانا ، فنعمَ المولى ونِعم النَّصير.
سَتَظلّ الشَّهامة أصل موقِفِنا
منذ حظر الحركة الإسلاميَّة الشَّماليَّة ، اجتهدنا قَدر المُستطاع أن نكون اوَّل المتضامنين والمدافعين عن إخواننا. من خلال مواقفنا الرَّسميَّة كحركة ، ونُوّاب في القائمة المشتركة ، ورؤساء وأعضاء لجان شعبيَّة في كافَّة المُدن والقُرى ، ومن خلال المقابلات الصَّحفيَّة وخاصَّةً مع وسائل الإعلام الاسرائيلية لإقامة الحُجَّة على السُّلطات الإسرائيليَّة الظالمة . وقد بَرَز في المقابلات والمناظرات امام الإعلام الإسرائيلي الأخ الشيخ كامل ريَّان رئيس جمعية الأقصى ، ومرشَّح الحركة الإسلاميَّة لرئاسة لجنة المتابعة رغم شعوره بخذلان اخوانه (غير المقنع) له. ورغم كلّ ذلك ، ما زلنا نُظلَم من قبل اخواننا ، وتُسَوَّد صفحاتنا على الملأ في بعض المقابلات الصَّحفيَّة لقيادين بارزين عزيزين على قلوبنا.
نقول باختصار:
عندما تعلن السُّلطات الإسرائيليّة الحرب على اخواني .... فالشهامة تقتضي أن اغضَّ الطَّرف عن مظلمتي ، واساءتهم بحقِّي ، ولن اكون نصيراً للشيطان على اخواني . وعندما يكون اخواني في واقعٍ صعبٍ ، ومستقبلٍ غامضٍ ..... فالشَّهامة تقتضي ، ألَّا اتصيَّد في الماء العكر، ولا اسعى لاحتلال مواقعهم او النَّيل منهم . وعندما يجحد الآخرون دوري ويشوِّهون صورتي .... فالأُخوَّة الإسلاميَّة تقول: تعالوا بنا نخدم الإسلام بالوسطيَّة والإعتدال ، وبوصلتُنا هي رضى الرحمن. نعمل بهدوءٍ ، نَفَسُنا طويلٌ ، وصدورنا واسعةٌ ، الإسلام يسعُنا جميعاً ، والجنَّة ُعرضُها السماوات والأرض تتَّسع لكلِّ المؤمنين. فمن اراد ان يعمل معنا في اطارِ الشَّرع والقانون، دون تفريط في المبادئ ولا إفراط في المظاهر، فنحن بكلِّ تواضعٍ عنوانٌ مطروحٌ ، وخُدَّام لشعبنا وأُمَّتنا وديننا.
واللهُ غالبٌ على أمره.