نجحَ حوالي 400 رجل إطفاء، في إخماد ألسنة النيران التي أحرقت كاتدرائية نوتردام (السيدة العذراء) في وسط العاصمة الفرنسية باريس، إلا أن السيطرة على الحريق الذي تمدّد بسرعة جاءت متأخرة، ما تسبّب في انهيار البرج الرئيسي للكتادرائية بالإضافة إلى سقفها الخشبي، ليأتي الحريق بذلك على أحد أبرز معالم البلد والذي يزيد عمره عن 850 عامًا، الأمر الذي أحدث ضجة عالمية ونقلته معظم وكالات الأنباء، فما هي آخر التفاصيل المُتعلقة بالحريق وبالكاتدرائية؟
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنّ "الأسوأ تم تجنّبه" في الحريق، واعدا بإعادة بناء المعلم التاريخي الذي سبّب احتراقه صدمة وحزنا في العالم أجمع.
وقال ماكرون لدى تفقّده الكاتدرائية، وقد بدا عليه التأثّر أمام ألسنة النيران التي كانت لا تزال تلتهم الكنيسة إنّ "الأسوأ تمّ تجنّبه حتى وإن كنّا لم ننتصر في المعركة أنّ "الساعات المقبلة ستكون صعبة"، مضيفا: "سنعيد بناء نوتردام".
وقال مدعي باريس، ريمي هيتس، اليوم الثلاثاء، إن المحققين يعملون على فرضية الحريق العَرَضي وليس المتعمد في كارثة الحريق المدمر الذي اندلع في الكاتدرائية.
وذكر هيتس للصحافيين أمام الكاتدرائية: "لا شيء يشير إلى أنه كان عملا متعمدا"، مضيفًا أن العمال في موقع الكاتدرائية يتم استجوابهم بخصوص الحريق.
وقال قائد فرق الإطفاء في باريس، جان كلود غاليه للصحافيين "يمكننا القول إنّ الهيكل الرئيسي لنوتردام قد تم إنقاذه والمحافظة عليه".
وأشار غاليه إلى أنّ برجي الكاتدرائية الرئيسيين تم إنقاذهما.
ونجا الهيكل الحجري الرئيسي للكاتدرائية من التدمير التام في الوقت الذي تمت فيه السيطرة الحريق. وتمكن رجال الإطفاء من إنقاذ برجي الجرس الرئيسيين والجدران الخارجية من الانهيار.
ما إن اندلع الحريق، حتى تشكل فريق كبير ضم 400 رجل إطفاء بمساعدة 18 خرطومًا من المياه بعضها على أذرع ميكانيكية ارتفاعها عشرات الأمتار، وانهمك في العمل للسيطرة على الحريق في أسرع وقت ممكن.
وضُخَّت المياه مباشرة من نهر السين على بعد بضع عشرات الأمتار من الموقع، باستخدام قوارب صغيرة، وُصلت بأنابيب ضخمة.
ولم يكن واردا استخدام طائرات لإخماد الحريق لأن "إلقاء الماء على هذا النوع من المباني يمكن أن يؤدي بالفعل إلى انهيار الهيكل بأكمله"، وفق ما كتب الدفاع المدني في تغريدة في موقع "تويتر".
وفي غضون ساعات قليلة، تحول جزء كبير من سطح المبنى إلى رماد.
وقال غابرييل بلوس، المتحدث باسم جهاز الإطفاء إن "السطح بأكمله انهار، والإطار الخشبي دُمر، انهار جزء من القبة، والبرج لم يعد موجودا"، مضيفًا: "لقد تم إنقاذ غرفتَي الأجراس. تخيلوا لو أن الإطار الخشبي ضعف وانهارت غرفتا الأجراس، لقد حبسنا أنفاسنا حقا من الخوف".
وأردف بلوس: "أُنقذت جميع الأعمال الفنية التي كانت في قسم الذخائر، بما في ذلك تاج الشوك ورداء القديس لويس".
وقال الرئيس الجديد لمجمع أساقفة فرنسا إريك دو مولان-بوفور، إن إصلاح المبنى سيستغرق "سنوات من العمل"، وفي ذلك قال ماكرون "سنعيد بناءها. سنستدعي أهم المواهب خارج حدودنا للمجيء والمشاركة، وسنعيد بناءها".
وقالت مؤسسة التراث في بيان تلقته وكالة "فرانس برس"، إنها ستبدأ اليوم الثلاثاء حملة "تبرعات وطنية" لإعادة بناء نوتردام، "استجابةً للطلبات العديدة".
ولم تُعرَف أسباب الحريق الضخم الذي أدى إلى انهيار برج الكاتدرائية القوطية، التي شيدت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر والبالغ ارتفاعه 93 مترا، وسقفها.
وبحسب فرق الإطفاء، فإن الحريق "مرتبط على الأرجح" بورشة الترميم التي تشهدها الكاتدرائية، علما بأنه اندلع قبل بضعة أيام من احتفال المسيحيين الكاثوليك بعيد الفصح.
وقال وزير الدولة بوزارة الداخلية الفرنسية، لوران نونيز، اليوم الثلاثاء، إن السلطات تواصل تحقيقاتها لمعرفة كيف اندلع الحريق، لمعرفة السبب الذي لا يزال مجهولا حتى الآن.
وكان نونيز قد قال في وقت سابق في مؤتمر صحافي أمام الكاتدرائية إن "الحريق تحت السيطرة لكن لم يتم إخماده بشكل كامل"، قبل أن ينجح رجال الإطفاء في إخماد ألسنة النيران.
بعد السيطرة على الحريق الذي التهم الكثير من معالم الكاتدرائية، تحول الانتباه الآن لضمان سلامة هيكل ما تبقى من المبنى، لذا لا يزال الخبراء يجرون تقييما للهيكل الخارجي، لتحديد الخطوات التالية لإنقاذ ما تبقى بعد الحريق.
وأعلن رئيس جهاز الأمن الداخلي الفرنسي لوران نونيز، أن معماريين وخبراء آخرين سيلتقون في الكاتدرائية اليوم الثلاثاء ؛" لتحديد ما إذا كان الهيكل مستقرا وما إذا كان بإمكان عمال الإطفاء الدخول ومواصلة عملهم."
ويبحث المسؤولون في ما إذا كانت أعمال التجديد الذي كانت تجري في المعلم المعماري العالمي هي التي تسببت في الحريق الذي وقع كفاجعة أصابت الفرنسيين.
وقال نائب رئيس مجموعة "فونداسيون دو باتريموان" المعنية بالحفاظ على التراث، برتراند دو فيدو، والذي يُعد خبيرا في التراث الفرنسي، إن فرنسا لم يعد بها أشجار ضخمة بما يكفي لاستبدال العوارض الخشبية التي التهمها الحريق، وفق ما أوردت وكالة "أسوشييتد برس" للأنباء.
وذكر فيدو أن السقف الخشبي الذي التهمه الحريق، بُني بعوارض خشبية منذ ما يزيد على الثمانمائة عام، وجاءت من غابات ليس لها مثيل في فرنسا.
وأضاف دو فيدو أن سقف الكاتدرائية لا يمكن إعادة بنائه بالضبط كما كان قبل الحريق، قائلا: "لا نملك في هذه اللحظة أشجارا في أراضينا بحجم تلك التي قطعت في القرن الثالث عشر".
وأشار إلى أن أعمال الترميم سوف تعتمد على تقنيات جديدة لإعادة بناء السقف.
وتعهّد الملياردير الفرنسي فرانسوا هنري بينو، رئيس مجلس إدارة مجموعة كيرينغ التي تملك العديد من العلامات التجارية الفاخرة مثل "غوتشي" و"إيف سان لوران"، بتقديم مئة مليون يورو لإعادة بناء الكاتدرائية.
وأوردت وكالة "فرانس برس" نقلًا عن بينو قوله إنّ مبلغ المئة مليون يورو سيخصّص لتمويل "جهود إعادة بناء نوتردام بالكامل" وستدفعه شركة أرتيميس الاستثمارية التي تملكها عائلته.
وفي السياق، ذكر بيان صادر عن عائلة الملياردير الفرنسي برنار أرنو، أن العائلة ومجموعة "إل.في.إم.إتش" للسلع الفاخرة التي يملكها؛ قررتا التبرع بمبلغ 200 مليون يورو، للمساهمة في ترميم كاتدرائية نوتردام، وفق ما أوردت وكالة "رويترز" للأنباء.
وجاء في البيان: "ترغب عائلة أرنو ومجموعة ’إل.في.إم.إتش’ في إبداء تضامنها خلال هذه الفاجعة الوطنية ونشارك لدعم إعادة بناء هذه الكاتدرائية المتميزة التي ترمز لفرنسا وتراثها وللوحدة الفرنسية".
وتوالت ردود الفعل من مختلف أنحاء العالم للتعبير عن الحزن إثر حريق كاتدرائية نوتردام التاريخية بوصفها "رمز فرنسا" وتكثفت رسائل التضامن مع باريس.
واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنّ الكاتدرائية هي "رمز لفرنسا ولثقافتنا الأوروبية". أفكارنا مع الاصدقاء الفرنسيين".
وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن "أفكارها تتجه إلى الشعب الفرنسي" و"أجهزة الإطفاء التي تكافح الحريق الرهيب في كاتدرائية نوتردام".
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في برقية تضامن وجهها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "وكل الشعب الفرنسي" كما جاء في بيان أصدره الكرملين؛ إن الحريق في كاتدرائية نوتردام في باريس يخلف "ألما في قلوب الروس"، مشيرا إلى أن كاتدرائية "نوتردام هي رمز تاريخي لفرنسا، كنز لا يقدر بثمن للثقافة الأوروبية والعالمية وأحد أهم أمكان العبادة المسيحية. المأساة التي حصلت في تلك الليلة في باريس خلفت ألما في قلوب الروس".
وذكر البابا فرنسيس أنه "قريب من فرنسا ويصلي من أجل الكاثوليك في فرنسا وسكان باريس"، وكان الفاتيكان قد أعرب عن "حزنه" لاحتراق الكاتدرائية.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة الحريق بـ"الفظيع" مقترحا استخدام طائرات مخصّصة لمكافحة الحرائق لإخماده، وذكر لاحقا خلال اجتماع سياسي أن الكاتدرائية "تشكل أحد أكبر كنوز العالم".
من جهته كتب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن "كاتدرائية نوتردام هي أحد أعظم كنوز العالم وأفكارنا مع الشعب الفرنسي في هذه اللحظة المؤلمة". وأضاف "من الطبيعي أن نكون في حزن حين نخسر تاريخنا لكن أيضا من طبيعتنا ان نعيد البناء من أجل الغد باكبر قدر من التضامن".
وعبّرت الملكة إليزابيث، اليوم الثلاثاء عن "حزن عميق" إزاء الحريق المدمر الذي اندلع في الكاتدرائية، وذلك في رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقالت الملكة: "الأمير فيليب وأنا شعرنا بحزن عميق لمشاهدة صور الحريق الذي اجتاح كاتدرائية نوتردام. أفكارنا وصلواتنا مع الذين يصلّون في الكاتدرائية ولكل فرنسا في هذا الوقت العصيب".
من جهتها أكّدت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي وقوف المنظمة "إلى جانب فرنسا لحماية وترميم هذا التراث الذي لا يقدر بثمن"، وكتب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في بيان بالفرنسية "إنه لأمر مهول، أنا أشاطر الأمة الفرنسية مشاعرها".
في العالم العربي، قال شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب في تغريدة "أشعر بالحزن تجاه حريق كاتدرائية نوتردام بباريس، هذه التحفة المعمارية التاريخية. قلوبنا مع إخواننا في فرنسا، لهم منا كلّ الدعم".
وقالت الخارجية المصرية في بيان إنّ القاهرة "تتابع ببالغ الأسى والألم حادث الحريق الذي شبّ في كاتدرائية نوتردام، خاصةً لما يمثّله هذا الصرح العريق من قيمة حضارية وتاريخية لفرنسا وكجزء من التراث العالمي".
وذكر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في تغريدة أنّ "الحزن يلفّ العالم لمشهد الحريق في كاتدرائية نوتردام في باريس. كارثة تراثية وإنسانية تفوق الوصف. كلّ التضامن من لبنان مع الشعب الفرنسي الصديق".