أنظار العالم وقضاياه وأيضا قياداته تتجه وتتوجه إلى نيويورك بدءا من اليوم الإثنين، إذ مع بدء الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة تعيش نيويورك ككل عام أسبوعا من الصخب الدبلوماسى والمولد الإعلامى، بمشاركة دولية بحضور آلاف من كل بقاع العالم.
الرئيس الأمريكى باراك أوباما يلقى كلمته غداً الثلاثاء وسيتناول فيه تحديات الشرق الأوسط وسوريا وإيران، وأيضا الانتقال السياسى والديمقراطى فى مصر وتونس وليبيا.
كما سيلتقى أوباما ثنائيا برؤساء ثلاث دول فقط هى نيجيريا ولبنان وفلسطين. ولقاء أوباما بكل من ميشيل سليمان ومحمود عباس سيتم الثلاثاء بعد إلقائه للخطاب. وبالطبع الكل ينتظر ويترقب لقاء ولو عابرا مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى، وحتى إن لم يحدث هذا فإن محاولات لعملية كسر الجليد بين واشنطن وطهران ما زالت تطرح وبشدة فى الأيام الأخيرة، كما أن إعطاء فيزا للبشير رئيس السودان لحضور هذا اللقاء العالمى أمر لم يحسم بعد.
مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية دين باتمان قال ردا على سؤال لـ«التحرير» حول المنطقة ودول «الربيع العربى» فى خطاب أوباما المنتظر: «أعتقد أن الرئيس أوباما سيتحدث عن أين وصلنا وإلى أين نمضى وعن التحديات التى تواجهنا وعن رؤيته لمخاطبة تلك التحديات، لأنها بوضوح ما زالت قائمة. ولم يتم بعد التوصل إلى حلول بشأنها». أما مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قالت ردا لسؤال «التحرير» نفسه: «إن خطاب الرئيس سوف يركز كثيرا على التحديات وأيضا الفرص فى المنطقة، نحن تحدثنا كثيرا عن هذا الأمر فى العام الماضى، ولكن أعتقد أن هذه فرصة طيبة لأن نأخذ خطوة إلى الوراء وننظر إلى أين وصلنا وما يجب علينا فعله وكيف يمكن الدفع بطريقة أفضل لسياسات أمريكا ومبادئها».
خطاب الرئيس أوباما فى بداية الدورة الـ68 للأمم المتحدة سوف يركز وبشكل خاص «كما أوضح بن رودس نائب مستشار الرئيس للأمن القومى» على الأحداث فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. «آخذا فى الاعتبار تعقيد وسعة التحديات التى نواجهها فى المنطقة، فإن الرئيس سيطرح آخر المستجدات فى تناول أمريكا لتلك التحديات، وكيف نرى مصالحنا وكيف سنسعى لتحديد الأولويات والدفع بسياساتنا للأمام». وبالطبع سيتحدث عن سوريا وإيران. كما سيتناول الرئيس فى خطابه «الانتقال الذى يحدث فى المنطقة، من شمال إفريقيا وليبيا ومصر إلى اليمن. وأيضا التزام الولايات المتحدة بدعم المبادئ الديمقراطية فى المنطقة» كما قال رودس.
ومن المقرر أن يتوجه الرئيس أوباما إلى نيويورك اليوم الإثنين، وفى أول لقاء ثنائى له هناك سيلتقى بالرئيس النيجيرى جودلاك جوناتان. وعقب هذا اللقاء سيستضيف الرئيس تجمعا مخصصا للمجتمع المدنى العالمى يحضره رؤساء دول ومسؤولو منظمات مجتمع مدنى من كل بقاع العالم وشخصيات عامة معنية ومهتمة بالأمر وبدور المجتمع المدنى فى مواجهة المشكلات وإيجاد الحلول لها. ثم سيلتقى الرئيس أوباما بالبعثة الأمريكية بالأمم المتحدة بصحبة كل من جون كيرى وزير الخارجية وسامانتا باور ممثلة أمريكا لدى الأمم المتحدة. كما أن ليلة الإثنين وكما جرت العادة سنويا يستضيف الرئيس أوباما وزوجته فى حفل للاستقبال رؤساء الدول والبعثات الوافدة لنيويورك بمناسبة بدء الدورة الجديدة للجمعية العامة بالأمم المتحدة.
وبما أن الملف السورى لم يتم حسمه بعد فى مجلس الأمن، فبالتأكيد ستشهد أروقة الأمم المتحدة مزيدا من المشاورات والمفاوضات للوصول إلى صيغة للاتفاق حول قرار يخص سوريا. ولا شك أن واشنطن فى الأيام الأخيرة انشغلت بالرئيس الايرانى الجديد حسن روحانى ومبادراته للتقارب والتفاهم. روحانى فى حديث تليفزيونى مع شبكة «إن بى سى» وفى مقال له بـ«واشنطن بوست» قال ما لم يكن معتادا أن تسمعه واشنطن من طهران. البيت الأبيض أشار إلى عدم وجود لقاء بين أوباما وروحانى خلال الأسبوع القادم فى نيويورك. إلا أن بمفهوم «اللقاء المفاجأة» و«الصدفة خير من ألف ميعاد» قد يحدث هذا اللقاء، ولو كان عابرا، وربما فى حفل الاستقبال الضخم الذى يقيمه أوباما مساء غد الإثنين. وأشار مراقبون إلى أنه قد يحدث ما تتوق إليه الدبلوماسية دائما وهو التوصل إلى صيغة ومعادلة وآلية لحوار وتواصل تفاديا للمواجهة والصدام مع إيران. ويرى بعض المراقبين لصناعة القرار فى العاصمة أن هذا هو ما حدث فى الأزمة السورية وقد يحدث خلال أيام مع الشأن الإيرانى.
وحسب ما نقل عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين فإنه من المتوقع استئناف المفاوضات الدولية حول برنامج إيران النووى، وذلك على هامش لقاءات الجمعية العامة. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران الجديد وهو فى الوقت نفسه كبير مفاوضى برنامج إيران النووى من المتوقع أن يلتقى بكبار مسؤولين أمريكيين، وأن كيرى وزير الخارجية قد يكون واحدا منهم. وظريف يتمتع بشكل عام بسمعة طيبة فى الأوساط الدبلوماسية وفى الأمم المتحدة، خصوصا أنه كان ممثل إيران لدى المنظمة الدولية لسنوات عديدة. وأشارت تقارير صحفية إلى أن ما تحاول إيران أن تفعله من خلال حملتها الدبلوماسية المكثفة أن تنجح فى تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة عليها من قبل الدول الغربية «أوروبا وأمريكا» فى ما يخص التحويلات المالية ومقاطعة المبيعات النفطية.
ولا شك أن الدبلوماسية كما يبدو فى الحديث الدائر فى واشنطن «بدأت تأخذ مجراها» و«ربما تثبت جدواها» فى تحقيق تقارب إيرانى أمريكى. أو فلنقل فى أحسن الظروف «تهدئة للتوتر الموجود والمتصاعد عبر السنين». وبالطبع حذرت دوائر يهودية وإسرائيلية عديدة من «أدوات الخداع وأجواء الوهم» على أساس أن ما يصدر من طهران لا يزيد على كلمات طيبة تحاول أن تجمل و«تغلف» النيات غير الحسنة للقيادات الإيرانية خصوصا الدينية منها. والتحذير من التقارب مع طهران دفع ببعض تأكيدات منقولة عن مسؤولين أمريكيين بأن واشنطن تقترب ولكن بحذر وتظهر تفهما للمبادرات الإيرانية إلا أنها لم تستبعد بعد حسمها وحزمها تجاه البرنامج النووى الإيرانى.
وفى كل الأحوال فإن الأحاديث والتعليقات وأيضا «الإشاعات» ستشغل بال واهتمام زوار نيويورك من كل بقاع العالم.. الكل يغنى لليلاه، أو يبكى عليها أو بسببها.