في خطاب قصير للكاتب الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو ألقاه على شرف العالم ألبرت أينشتاين عام 1930، جاء أن "نابليون ورجال عظماء مثله بنوا إمبراطوريات، ولكن أينشتان وأمثاله بنوا أكوانا كاملة، من غير أن يُسيلوا قطرة واحدة من دم إخوانهم البشر".
إنجاز أينشتاين الفكري فريد من نوعه، فعمق نظريته الفيزيائي وجمالها الرياضي (من رياضيات) غير مسبوقين في تاريخ العلوم الحديثة. نقطة الانطلاق لهذه النظرية أتت من فكرة خطرت لأينشتاين في عام 1907، وصفها بأنها "أسعد فكرة في حياته".
وتلك الفكرة، التي واتته عندما كان يجلس في مكتبه ورأى من نافذته عمالا يعملون على سطح المبنى المقابل، هي أن الأجسام خلال سقوطها تكون في حالة انعدام الوزن. أي أن انعدام الوزن مكافئ للسقوط الحر، كما هي الحال عند رواد الفضاء، فهم يتحركون تحت تأثير الجاذبية عند دورانهم حول الأرض.
تمخّض عن هذه الفكرة أحد المبدأين الأساسيين في نظريته والمعروف بـ"مبدأ التكافؤ". أما المبدأ الآخر في نظريته فهو مبدأ النسبية الذي استعمله أيضا في وضعه للنظرية النسبية الخاصة.
هذه الفكرة الصغيرة التي توصل إليها بخياله الجامح وفكره الوقاد أدّت الى انقلاب كامل في الفيزياء وفهمها للطبيعة.
أكمل أينشتاين نظريته وهو يعمل في جامعة برلين خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. عارض أينشتاين هذه الحرب بشدة في وقت كان فيه الشعور القومي الألماني في أوجه − كما كانت الحال في الدول الأوروبية الأخرى في حينه.
اعتبر أينشتاين هذه الحرب فشلا للحضارة الإنسانيه وتحدّى مجتمعه قاطبة برفضه دعم الحرب, متحملا اتهام بعضهم له بالخيانة. فهذا الموقف يبين منزلة أينشتاين الإنسانية لا العلمية فقط.
ولكي يحصل القارئ على فكرة مبسطة حول العلاقة بين الجاذبية وهندسة المكان في النظرية النسبية العامة سنلجأ إلى الإستعارة التالية:
تخيل سريراً مرتباً مغطّى بشرشف ممدود بشكل مهندم على وجهه. سطح هذا الشرشف المستوي هو كهندسة الفراغ المستوية.
فكر الآن بماذا يحدث إذا وضعت بعض الكرات الصغيرة ذات أوزان مختلفة بشكل متفرق على سطح الشرشف. ستُغيِّر هذه الكرات من طبيعة سطح الشرشف حيث إنها ستكوِّن تجويفات حولها، بحيث تُحدِث الكرات الثقيله تجويفات أعمق مقارنة بالكرات الخفيفة.
هذا يشبه ما يحدث في النظرية النسبية العامة، التي يحتفل العالم بمئويتها، فوجود المادة يُنتج انحناءات وتجويفات في هندسة الفراغ تماما كما تفعل الكرات التي وضعناها على وجه الشرشف المهندم. وبالمقابل، إذا دحرجنا كرة صغيرة جدا على سطح الشرشف المتعرج فإنها لن تسير بخط مستقيم، بل ستتبع الانحناءات والتجويفات عليه، تماما كما تؤثر هندسة الزمكان في حركة الأجسام.
ولعل أهم نتيجة لنظرية أينشتاين هي أننا نعرف اليوم، بفضلها، مكونات الكون بدقة كبيرة. فنحن نعرف بأن المادة العادية التي منها صُنع كل شيء حولنا تكِّون فقط حوالي 5 بالمئة من الكون، وحوالي ال 25 بالمئة منه هي مادة معتمة لا نعرف ما هي ولكننا نعرف صفاتها. وأما الـ 70 في المئة الباقية من الكون فهي على شكل طاقة معتمة، لا نعرف عنها الكثير سوى أنها تدفع الكون للتسارع بالانتشار، كما يفعل الثابت الكوني الذي اقترحه أنشتاين عام 1917.
هذا يتركنا في وضع غريب، فنحن نعرف بالضبط كم من المادة والطاقة يوجد في الكون، ولكننا لا نعرف ماهية 95 بالمئة من هذه المكونات (هذا لا يعني أننا لن نعرفها مستقبلا). تمكننا هذه النظرية أيضا من أن نعرف تاريخ الكون وماذا حدث له في مراحله المختلفة، منذ بدايته وحتى الآن. فأجمل وأعمق ما تمخضت عنه النظرية النسبية العامة، هو أنه بفضل أينشتاين ولأول مرة في تاريخنا كبشر، نحن نفهم علميا قصة كوننا.
هنالك الكثير من الاستعمالات العملية لنظريات أينشتاين مثل استعمال نظام التموضع العالمي (GPS)، الذي يمكننا من الملاحة والتموضع بواسطة الأقمار الصناعية. لكن أهم إنجازاته هي الإنجازات الفكرية التي تمكننا من فهم كوننا وواقعنا الموضوعي بعمق.
كان أينشتاين مبدعاً في طرح أسئلة جمعت بين العلم والفلسفة. فقد توخى دائما في أبحاثه بأن يجيب على أسئلة عميقة، وتميزت إجاباته دائما بأناقتها وجمالها، ولكن في الوقت نفسه أيضا، بجموح خيالها وتحديها للفرضيات المسبقة والأفكار المقبولة. فحتى عندما أخطأ في اعتراضه على نظرية معينة يحملها أقرانه، أضاف لتلك النظرية الكثير، بمجرد طرحه أسئلة عميقة حولها أجبَرَتهم على التعمق أكثر في فهمهم لنظريتهم.
فأينشتاين ليس فقط عالم الفيزياء الكبير، بل الرجل الذي تحدى مجتمعه ليعارض الحرب. وهو العبقري المتواضع صاحب الظل الخفيف، وفوق كل شيء الإنسان الذي عاش خلال حربين قتلتا الملايين ودمرتا دولا ومجتمعات بأكملها، لكنهما لم تنجحا في تشويه إنسانيته وفكره.