صال علماء البلاغة والبيان وجالوا في التفرقة بين المفردات اللغوية من حيث الدلالة على المعنى ، فنقّبوا عن قُشورها اللغوية ووجدوا أن لبّ الكلمة كمفردة تعطي تعابير ذات معانٍ لا تعطيها كلمة أخرى ، وقد أبدعت تلكَ الأيادي لما أن وَهبت لله العُقول فصاغت بذلك أجمل فُروق بأجمل نُقول ، ولما أن كان كتاب الله تعالى هو البحر الذي يغوصه مُبحِرو اللغة وجدوا فيه بحرًا لا شاطئ له من جلالة الكلمات باختيار تراكيبها ودلالة معانيها ورابط نظمها فأقدموا بأدوات الغوص التي لا مثيل لها لاستخراج اللآلئ المكنونة في كلام رب العالمين وورّثوا بذلك لنا ثروة عظيمة حين قاموا على تأليف الدراسات وتصنيف المصنّفات فأبدعوا بذلك أيّما إبداع ، وقد أوجز الإمام ابن عطية الأندلسي في مقدمة تفسيره هذا الكلام في جملته المشهورة: "كتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثُمَّ أُدير لسان العربِ في أن يوجد أحسن منها لم يوجد" .

ولما أن بدأ الغزو الثقافي من الشرق والغرب هجومه بأسلحته المختلفة والمتنوعة من دراسات في كُتب ومقالات في صُحف على أبنائنا لإبعادهم عن كتاب الله تعالى وتنحيتهم عن المسار الصحيح لقراءة الإسلام بمنظور علمائنا الأجلاء ، كان حَريّ بالإسلام وأهله أن يذود عن حماه ويعزز مناعته ليحافظ على مكانتهم في العلياء طردًا لأبالسة الشر من الشياطين والبشر .

وحرصًا ممن يرعى القرآن الكريم ويخدمه حقّ خدمته في نشر الثقافة القرآنية التي كان القرآن مصدرها في العقيدة والتربية والأخلاق والسلوك لتسود المجتمع بأفراده وشرائحه وصولًا لجيل قرآني فريد؛ ندرج في هذه السلسلة تفسيرًا لآية قُرآنية ندندنُ من خلالها حول أبعادها التربوية لنستظلّ في ظلالها، ثم نُجمِلُ في تفسيرها لتكون همسة نلقيها للمسؤول في منصبه والمربي في مسجده والطالب في حلقته والوالد في رعيّته ، يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (هموم داعية): "إن الوعي بمعاني القرآن وأهدافه يعطي الإطار العام للرسالة الإسلامية، ويبين الأهم فالمهم من التعاليم الواردة، ويعين على تثبيت السنن في مواضعها الصحيحة. والإنسان الموصول بالقرآن دقيق النظر إلى الكون، خبير بازدهار الحضارات وانهيارها، نيّر الذهن بالأسماء الحسنى والصفات العلى، حاضر الحس بمشاهد القيامة وما وراءها، مشدود إلى أركان الأخلاق والسلوك ومعاقد الإيمان، وذلك كله وفق نسب لا يطغى بعضها على بعض، وعندما يضم إلى ذلك السنن الصحاح مفسرة للقرآن ومتممة لهداياته فقد أوتي رشده.