الكاتبة: الناشطة الثقافية مها زحالقة مصالحة
يوم الأرض هذا العام مختلف، يوم الارض هو يوم وحدة الشعب ويوم مسيرة العلم الواحد، يوم الأرض هذا العام مُرتو بمياه وحدة الحال اكثر من أي عام مضى، مسيرة شحذ الهمم والإرتقاء بالعلم الواحد الذي يحمل أملنا وألمنا وراية نضالنا. عاش يوم الارض الخالد، والمجد للارض والانسان والشهيد والوليد، المجد والخلود لشهداء يوم الأرض الأبرار.
دقت ساعة العمل وبات حلم القائمة المشتركة والوحدة الوطنية واقعاً، وهذه دعوة ليكن الإبن البكر للقائمة طرح اجندة برنامج تثقيف صريح وواضح وشامل للشبيبة حول قرانا المهجرة ولغتنا العربية وتاريخ النكبة العربية الفلسطينية بموجب قاموس مصطلحات روايتنا التاريخية وليس بخبز برجوازي عبري خجول مُهاجر يعتمد تزوير الواقع ويتعمده، تجسيدا لإيماننا بأن تكون فلسطينياً نعمة لا يقدرها إلا الأحرار، فنحن على هذه الأرض سيدة الأرض باقون ما بقي الزعتر والزيتون، وسنموت ونحيى للأرض والحرية للأرض، لأن الوطن ليس سؤالا نجيب عنه ونمضي، إن الوطن هو الحياة والقضية معاً درويشنا سيد الكلمة.
نعم هي إنتفاضة ضد واقع جهل أولادنا لوقائع يوم الأرض، يوم الارض لبؤة الذاكرة وعرينها وطن على أنف غزال ومجابهة جهل السواد الأعظم منهم لأسماء القرى المهجرة بفعل جنرالات التهيئة السياسية التي تُسخر كل وكلاء التهيئة الاجتماعية لتنفيذ ماربها، انتفاضة بحجارة تعمير الذاكرة كمُضاد حيوي لمحاولات إبادة حجارة العقد الفلسطيني بكل رمزية الموقف. انتفاضة ضد انكارنا لخطورة إنغماسنا بلغة الاخر المُحتل وعربيتنا تتأرجح بين الباي والبسيدر نحو تذويت نفسية المقهور وعشق المغلوب للغالب بمصطلحات أب علم الاجتماع ابن خلدون.
الارض واللغة العربية اعمدة الذاكرة الفلسطينية الجماعية وعلينا الاستبسال برعايتها ومأسستها في الذاكرة الجماعية،كي لا ننسى.... لأن التاريخ لا يُمحى بجرة قلم ولا مع هطول الغيث ولا مع تبدُل وجهات النظر، كالسنديان هي ذاكرتنا الفلسطينية الصادقة سقفها السماء وجذعها موطن البراكين الأزلي.
لقد فُتحت صفحة جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سُجلت بدم ستة شهداء تسابقوا على الموت وإشتد فيهم نبض الأرض بوقت كان به الجنودُ والشرطيون يوزّعونَ الموتَ, كتب شهداؤنا الوطن الكبير على النوافذ وتعانقت مدن الشهداء بدم الأبرياء الذين سطروا بدمائهم صفحة أخرى مُشرقة مُشرفة في تاريخ النضال الفلسطيني، يوم الارض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت يوم 30 اذار 1967 على شكل اضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع القرى والمدن والتجمعات العربية في اسرائيل احتجاجاً على سياسة مصادرة الاراضي والتمييز العنصري التي مارستها ولا تزال الحكومة الاسرائيلية ضد الجماهير العربية الفلسطينية. هذه الأرض وتلك الأم الفلسطينية التي تعانق شجرة الزيتون والسنديان وتأبى الركوع...وتدافع عنها بالروح والدم، نحن تلاميذ غسان كنفاني ونُيقن حقاً ما خلّد لنا بأن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت ..إنها قضية الباقين، نحن الباقون هنا وعلينا مسؤولية الحفاظ على الذاكرة والصمود على الأرض وحمل شعلة الصمود والإصرار على حبنا للوطن قولاً وفعلاً.
اه يا جرحنا المكابر وطننا ليس حقيبة ونحن عن الذاكرة الفلسطينية لسنا بمسافرين ولا راحلين درويشنا ان سمحت لنا. ما اصعب زيارة الضريح مرة واحدة في العام، او مرتين ان جادت الذاكرة وأبت معسكرات خيانة الاعتراف بمصداقية الماضي، علينا احياء ذكرى القرى المهجرة ليس فقط تزامناً مع يوم الارض وذكرى النكبة فقط بل كسيرورة تذويت مدروسة طيلة العام.
إرداف القول بالفعل وإقران الشعار بالعمل-
دعوة لمسيرة القرى المهجرة في كل بلد
نضالنا الجماهيري القومي الوطني المُؤسساتي للحفاظ على اللغة العربية الماجدة من غياهب الجهل والإستعمار والغزو اللغوي المُبطن والصريح نحو محو ثقافة مدججة بالحقائق، هو الأخ الموازي لنضالنا لتثبيت ذاكرة قرانا المهجرة وحيثيات تشريد نحو ثلاثة ارباع مليون لاجئ فلسطيني ساروا على طريق المنفى، الا انهما نضالان موازيان ليلتقيان في طفرة الهندسة، اللقاء بجدول للتثقيف الوطني الصادق الأمين تحت ظل سنديانة أبت المساومة والمبايعة في قرانا الباسلة.
ولتكن لغتنا العربية ربيع على انف غزال يزرع اللوبية والخبيزة والسنديانة والشجرة والزيتا في التلال يا وطني الرائع يا وطني. لغتنا العربية وردة تجلس على انف الايائل وتزرع بالروح حدائق المنازل بسجع مُتمايل، وتبقى اجمل المفردات "الوطن" دون مُنازع مُنازل.
لغتنا العربية تنظم بحروفها مسيرة المشاعل لابادة عتمة الديجور في كهوف اضمحلال اللغات...نعم هي العميقة الرقيقة الماجدة الباسلة الواسعة الراقية الأبية الشمس بحرها والبحر مدادها، لغة الضاد أمنا.
قُرانا الفلسطينية الأربعمئة ونيف التي هجرت إسرائيل أهاليها عام النكبة الفلسطينية، ثم دمرتها ومحت معالمها ووزعت أراضيها ومزارعها على سكانها الجدد من اليهود، واقامت فوق قرانا المهجرة مستعمرات بأسماء عبرية حلت محل اسمائها التاريخية الاصلية الاصيلة سعياً لئيماً منها نحو "عبرنة الواقع والتاريخ"، وذلك كلبنة إمبريالية ثقافية اخرى نحو ازالة الصبغة العربية لا عن التراب الفلسطيني فحسب، بل عن خرائط العالم ككل والعالم العربي وذاكرة الرأي العام وأكثر.
نعم لتخليد اسماء قرانا المهجرة ونعم لمناهضة عبرنة الاسماء، نعم لأن يعرف اولادنا وشبابنا ان ايلات هي ام رشرش وان تل ابيب هي الشيخ مونس وان صفورية هي تسيبوري وان عين هود قرية الفنانين هي عين حوض اليوم والقائمة تطول. نعم لأن يدرك اولادنا الى اين تتجه جداول دم عبرنة التاريخ..كي لا ننسى..... نزرع القرى المهجرة في شُرفة الذاكرة ونسقي الورد بالمجد لتكن مسيرة القرى المهجرة إلينا ومنا وفينا، ولتكن عروسسيرورة وليس حصاد موسمي عابر، لأن السماء تنظر والغيث يًحاكمنا.
هي دعوة صادقة للقرى المهجرة كي تزورنا، نعم علينا دعوتها لتشرب معنا القهوة هناك على شرفة بيت شامخ في حيفا، بيت اغتصبوه واحتلوه وهجّروا اهله الذين شربوا القهوة على الشرفة ونظروا الى البحر، هُجروا وتركوا فنجان القهوة ليبق البحر شاهداً على فظاعة السيناريو ومشاهد التهجير والرحيل واحتلال الأوطان وتبكي السماء.
الحقوق لا تزول، وكي لا تزول يجب ان تُحفظ، ومن أجل ان تُحفظ على جنرالات التاريخ الذين تُحركهم حرقة شغف الارض إستنفار كل جنود الفكر والتثقيف لغرس المفاهيم والحقائق الحقيقية في روايتنا الفلسطينية الجماعية بين ظهرانينا وهو اضعف الايمان، والا فستأكلنا الضباع ان بقينا بلا ذاكرة (سلمان ناطور).
أدعو أولادنا وبناتنا وصبايانا وشبابنا للكتابة عن القرى المهجرة، ادعوهم لصنع الجداريات في كل قرانا ومدننا عن القرى المهجرة، ليُبدعوا باجمل الرسومات، وليغتالوا تغييبها باليراع والمداد وصواريخ الرسم الفاضح والمُعبر لما جرى بين سراديب الذاكرة وفي عباب التاريخ. أعلنوا عن المسابقات الشعرية والادبية والأنشائية بسياق الارض والوطن، نظموا الامسيات والفعاليات على اراضي القرى المهجرة، نظّموا الأمسيات عن القرى المهجرة على خشبات مسارحنا لتكون القرى المهجرة عروس المكان وسيدة الموقف، مأسسوا اسماءها ووجدانياتها بين الناس، وعززوا بذلك لغتنا العربية الماجدة. ولتكن كل مدرسة قرية مهجرة يخرج أولادها وصباياها للحديث عن الابعاد الانسانية للقضية الفلسطينية من خلال ميكروسكوب جغرافي ديموغرافي انساني. نعم للمبادرة لإقامة مسيرة للقرى المهجرة يخرج بها كل طلاب وطالبات المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية وطلاب الجامعات، ليلتقوا بمسيرة ضخمة تجوب شوارع القرى والمدن العربية ويحمل من خلالها اولادنا اللافتات والحقائق، ليس فقط بذكرى يوم الارض وذكرى النكبة، بل وأكثر، لأن الضريح يستريح أكثر اذا فاقت الزيارات أعياد ميلاد النكبات والكوارث. نعم لتكثيف المعرفة ونشر الإدراك بجغرافيا تاريخ الوطن. ادعو المجتمع المدني الحر لخلق الأطر لصنع الحلم، الان بالذات سويةً مع جسم القائمة المشتركة.
نعم لبث بذرة مشروع مسيرة القرى المهجرة في كل بلد وقرية، حيث يخرج اولادنا يحملون اللافتات التي تُزينها الصور والمعلومات عن اجدادنا وجداتنا حماة المكان ومن هُجروا عُنوة وإغتصاباً، كل الطلاب يخرجون افواجاً افواجاً من مدارسهم ليلتقون بجرف واحد في بوتقة مسيرة القرى المهجرة. بالانتماء والعطاء وتذويت ثقافة النحن وروايتنا التاريخية الساكنة في عرين الصدق وسط تيارات التزوير، فقط من خلال انارة كهوف الجهل نستطيع التشبث بتاريخنا. نعم تاريخنا المُغيب عن البرامج التعليمية التي يلقنها اولادنا سعيا وراء حصد أعلى العلامات والتسلق على "لوبية الاكاديميا الاسرائيلية" ولكن دون ان ننسى قرية لوبية الفلسطينية والخبيزة وام الزينات وام الشوف وسحماتا وعين حوض وام خالد وتطول قائمة الاربعمئة قرية والاقضية وأكثر.
وليس على باب الخنوع امام واقع مرير قضى بالاستيلاء على معظم الاراضي وسلبها، بل في لب عرين الاعتزاز بالإنسان الذي استبدل الاستثمار به الاستثمار بالأرض التي صودرت، فنحن نؤمن ان مشروع "معرفة القرى المهجرة واجب وطني" هو خطوة تاريخية في ترسيخ يوم الارض في اذهان اولادنا، فكل محاضرات العالم لن تفي هذا الغرض ولن يكون لها وقع اجراء بحث بين حجارة المكان وزرع شجرة في ارض لنا في هذا اليوم تحديداً مع كل رمزية الموقف! ان فلاحة الأرض والعمل على ارض اجدادنا هي اروع السبل لتعزيز الروابط والثوابت الوطنية فينا كرافعة ممتدة متعددة الاهداف للانتماء والعطاء والتكافل والتعاضد وشعور وحدة الحال، في ظل الوحدة الوطنية الأبية.
تجسيد هذه الفكرة سوف يسجله التاريخ كعلامة فارقة في قواميس مفاهيمنا وكانطلاقة اولى لخلق حلة جديدة للمعنى السامي لذكرى النكبة الفلسطينية ويوم الارض الخالد، بالمعول والزراعة والفلاحة والانحناء لتقبيل الارض والتراب والوفاء لها على ارض القرى المهجرة.
بالانتماء والعطاء وحب المكان قولاً وفعلاً نُعزز تذويت يوم الأرض بين أولادنا، فلا تحيى الشعارات إذا لم نسقيها بالمعرفة الصادقة والعمل الجاد والعطاء الصادق والادراك الحق للاسس الحقيقية للتاريخ وروايته التي تُنصفنا حقنا. فلتتظافر السواعد والإرادات وتشمخ القامات من المجتمع المدني، المجتمع الأسري والمدارس وجسم القائمة المشتركة ومؤسسات الحكم المحلي من اجل وضع اجندة جريئة لتنظيم الرحلات نحو القرى المهجرة، وليكن حبنا للارض قولاً وشعارات واستعارات ننددها ونُردفها بالفعل الصادق الأكيد، كي نغرس سوية في قلوب أولادنا حب الأرض والوطن.
لن تفلح كل بلدوزرات العالم باقتلاع مردود تنفيذ مخطط هذا المشروع النضالي الحقيقي على اولادنا للزرع والتراب والشجرة والزهرة والوطن من ذاكرة اولادنا على طريق مأسسة مفهوم "الماضي يروي الوجود" وتذويت قيم العطاء والوفاء للارض والانتماء للبلد الام والوطن الاكبر فلسطين، وهو بؤبؤ مقلتي الهدف حال زواج النية بالفعل.
المجد والخلود لشهداء يوم الأرض الأبرار