أكّدت دراسة أجراها فريق من الباحثين في المستشفى التابع لمعهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، أنّ الأطفال الذين يتحدّثون بشكل منتظم وبوتيرة عالية مع من هم أكبر منهم عمرًا، تكون لديهم روابط أقوى بين اثنتين من المناطق الدماغية اللتين تؤديان دورًا أساسيًّا في تعلم اللغات.
وقام الباحثون بتصوير المخ لـ40 طفلًا تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وست، وينتمي آباؤهم إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. لتشير النتائج إلى أنّ زيادة وتيرة ومدة الحديث بين الأهل والطفل، أظهرت روابط أقوى بين منطقتي "فيرنيك" و"بروكا" في أدمغة الأطفال، دون تأثر بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسر.
ويرتكز دور منطقة "فيرنيك" على فهم الكلمات والمقاطع التي ترتبط بالصور الحسية والحركية للكلمات المنطوقة، ما يعني أنّ أي إصابة يتعرض لها الإنسان في هذه المنطقة إلى اضطراب في قدرته على الاستيعاب اللغوي.
فيما تعنى منطقة "بروكا" بتنفيذ عملية الكلام حركيًّا؛ أي تشكيل وبناء الكلمات والجمل، واستخدام صيغة الجمع ووصف الأفعال، واختيار الكلمات الوظيفية والسياق اللغوي كحروف الجر والعطف. وتؤدي المشكلات التي تتعرض لها هذه المنطقة إلى اضطراب في اللغة التعبيرية، بحيث يكون الشخص قادرًا على فهم الكلام المسموع والمقروء، ولكنه غير قادر على التحدُّث.
وفي مقدمة البحث، كتبت قائدة البحث، راشيل روميو، وهي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في المشفى، أن "منطقتي "فيرنيك" و"بروكا" تُعنيان بدورة التخاطب، أي مرحلتي الكلام: الفهم والتّحدّث، إذ تُعنى دورة التخاطب بالتفاعل في الحديث بين الأطفال والكبار. ففي كل مرة يتحدث الشخص البالغ إلى الصغير ويرد عليه أو العكس، تُحتسب دورة تخاطب، ولهذا فإن زيادة دورات التخاطب تُعَد ذات أهمية في تطوير مناطق المخ المسؤولة عن تنمية اللغة في مرحلة الطفولة المبكرة".
وتقول روميو، إنّ من المهم محادثة الأطفال منذ لحظة الولادة، وليس المهم أن يكون الحوار ذا مستوى عالٍ، بل أن يكون هناك تجاوُب ورد فعل من الطرفين، مثل تقليد بعض الأصوات والوجوه الضاحكة، أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنًّا، فيُمكن طرح أسئلة تتطلب ردودًا أكثر من مجرد "نعم" أو "لا".
وتضيف أن "كثرة التعرض لمفردات اللغة، أيًّا كانت، تُعَدُّ أمرًا مهمًّا في تنشيط المخ وزيادة حصيلة التعبيرات اللغوية لدى الطفل".
وأوضحت الدراسة التي نشرت في مجلة "ذا جورنال أوف نيوروساينس" أنّ النتائج لم تكن متعلّقةً بالمستوى الاجتماعي أو المادي للآباء، الأمر الذي يناقض معطًى هامًّا طرحته دراسة سابقة نشرت عام 2003، والتي قالت أنّ الأطفال في الأسر الغنية يسمعون حوالي ثلاثين مليون كلمة أكثر من الأطفال في الأسر الفقيرة عند بلوغهم سن الثالثة، وأن هذه الاختلافات يمكن حتى رؤيتها من خلال التصوير الإشعاعي لأدمغة الأطفال، وأن هذه الفجوة اللغوية لا تختفي ببساطة بعد سن الثالثة.