تأمّلات رمضانية (3) - د. يوسف تتر
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ، وكان أَجْوَدَ ما يكونُ في رمضانَ حِينَ يَلْقاهُ جبريلُ، وكان يَلْقاهُ في كلِّ ليلة مِن رمضانَ فَيُدارِسُه القرآن، فَلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدُ بالخير من الريح المُرسَلة"
ولنا مع هذا الحديث عدّة تأملّات:
الأولى: تأمّل الربط العجيب بين تلاوة القرآن ومدارسته، وبين الجود والكرم في شهر رمضان، وذلك لكون الذي يكثر من تلاوة القرآن يدفعه ذلك إلى بذل الصدقة والحرص عليها، وفي ذلك درسين عظيمين من النبّي صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان، وهما: الاكثار من تلاوة القرآن، والاكثار من الصدقة في هذا الشّهر.
الثانية: لمّا كانت منزلة الصّيام عظيمة، وأجرها من أعظم الأجور، كان الجزاء على تفطير الصائم عظيماً يتناسب مع منزلة الصوم ومع الصائمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم قال: " من فطر صائماً أو جهز غازياً فله مثل أجره " ومن هذا الحديث نجد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد قرن تفطير الصائم بتجهيز المجاهد في سبيل الله، ممّا يدل على عظيم منزلة الصوم في مقابل منزلة الجهاد، وذلك أنّ في الصوم أعظم جهاد وهو جهاد النفس.
الثالثة: جاء في أجر تفطير الصائم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ "، قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو مذقة لبن أو شربه ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة " وفي رواية أخرى قال: " وما عمل الصائم من أعمال البر إلا كان لصاحب الطعام ما دام قوة الطعام فيه".
فيظهر لنا من خلال ما سبق من الأحاديث ثواب تفطير الصائمين وهو :
1. غفران الذنوب.
2. عتق الرقاب من النار.
3. له مثل أجر الصائم.
4. من سقى فيه صائماً سقاه الله من حوض المصطفى شربة لا يظمأ بعدها أبداً.
5. له أجر عمل الصائم ما دام قوة الطعام فيه، قال ابن رجب: (ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم كما أن من جهز غازياً فقد غزا أو من خلفه في أهله فقد غزا)
فالله الله، لنبادر إلى تفطير الصائمين فإن هذا الأجر العظيم يستطيع أن يناله كل واحد منا، ولو على تمرٍ أو ماءٍ أو لبنٍ. وهذه كانت حال السّلف رضوان الله عليهم حيث كانوا يحرصون على هذه السّنة بالاكثار والجود والسخاء في تفطير الصائمين في شهر رمضان.
ومن السنة الدعاء لمن فطر صائماً، فيقال له ما ورد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة.
تقبّل الله منّا ومنكم الطاعات ووفقنا لاغتنام خير ما هذا الشهر الكريم.
7 رمضان 1445 هـ
د. يوسف تتر